كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن صفقة القرن الأميركية لحل الصراع العربي "الإسرائيلي"، والتي يُنتظر الإعلان عنها قبيل منتصف هذا العام. ومهما كانت حقيقة هذه الصفقة سواء كانت بالونات اختبار لاستكشاف ردود الفعل المحتملة ام انها اقرب لتهيئة الاجواء لاستقبال المولود الجديد ... فان كان ما رشح صحيحاً عن "صفقة القرن"، فنحن لسنا أمام صفقة تاريخية تقدّم حلولاً ناجعة أو مقبولة لأطراف الصراع مع الكيان الصهيوني، وإنما نحن أمام محاولة جديدة لتصفية قضية فلسطين.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- وهي بالتالي ليست صفقة بين طرفين، بل هي تعبير عن غطرسة القوة الأميركية/الإسرائيلية، ومحاولة لفرض إرادة الاحتلال الصهيوني وشروطه وتصوراته لإغلاق الملف الفلسطيني.
واستناداً إلى العديد من التصريحات والتسريبات يمكن اختزال أهم معالم تلك الصفقة في النقاط التالية:
أولاً: قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومنقوصة السيادة براً وبحراً وجواً لصالح الشراكة الأمنية مع الكيان الإسرائيلي الذي سيضطلع بدور أساسي في الإشراف الأمني على الحدود والمعابر.
ثانياً: القدس عاصمة لدويلة "إسرائيل"، وبلدة أبو ديس قرب القدس عاصمة لدولة فلسطين، إضافة لضم الكتل الاستيطانية إلى الكيان الصهيوني، والتي تقدر حسب بعض التسريبات، من 10 إلى 15% من مساحة الضفة الغربية.
ثالثاً: تسوية ملف اللاجئين الفلسطينين بالعودة إلى الدولة الفلسطينية الوليدة وبالتوطين في دول العالم، ما يفتح المجال للحديث عن توسيع قطاع غزة باتجاه سيناء لاستيعاب الديموغرافيا الفلسطينية المكتظة.
رابعاً: اعتراف الفلسطينيين والعرب بدويلة "إسرائيل" كوطن قومي لليهود، وفتح باب التطبيع والشراكات الاقتصادية والأمنية معها.
تلك العناوين تشمل الكثير من التفاصيل الإجرائية، إضافة إلى السؤال عن الشخصية القانونية للكيان الفلسطيني الناشئ بصفته دولة مستقلة أم دولة اتحادية مع الأردن وفقاً لصيغتي الفيدرالية أو الكونفدرالية.
هنا قد تختلف الآراء لناحية قدرة تلك الخطة المسماة "صفقة القرن" على اجتياز عتبة النجاح، أخذاً بالاعتبار عدم توازنها، ومدى إجحافها بالفلسطينيين وحقوقهم الوطنية وفقاً للقانون والقرارات الدولية ذات الصلة.
النقاش الاستباقي لاحتمالات نجاح أو فشل "صفقة القرن" التي لم تر النور بعد، يدفعنا للاهتمام بالبيئة السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً، ومدى تأثيرها على مستقبل "صفقة القرن"؛ فالوضع الفلسطيني الداخلي صعب جداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً..، لغياب قيادة جماعية موحدة، ولسير سلطة أوسلو وحركة فتح في طريق معاكس لتوجهات القوى والفصائل الفلسطينية الأخرى عبر تمسكها بالتسوية السياسية والتنسيق الأمني مع الاحتلال رغم الفشل الفاضح لهذا المسار.
هذا ويدفع "التسويق الأميركي للصفقة باتجاه تطبيع العلاقات بين دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) و"إسرائيل"، قبل الوصول إلى حلّ نهائي مع قيادة المنظمة والسلطة، مقابل عمل تحالف بين هذه الدول ضدّ إيران ولمكافحة "التطرف"؛ مع السكوت عن الإجراءات الداخلية المتعلقة بترتيب البيت السعودي"
وقد لاحظ عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني -في 9 يناير/كانون الثاني 2018- أن مقترحات ما يُعرف بصفقة القرن تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأن هذه المقترحات تمّ نقلها إلى الفلسطينيين عن طريق السعودية. وبغض النظر عن مضمون المشروع الأميركي؛ فإن متابعة التطورات تشير إلى أن ثمة شيئا "يُطبخ" في إطار التسوية.
ولا يظهر أن قادة المشروع الصهيوني والأميركان سيجدون وقتاً أفضل من الوقت الحالي لمحاولة فرض رؤيتهم للتسوية السلمية، فهناك ضعف وانقسام فلسطيني، وتشرذم وترهل عربي وإسلامي، وأنظمة فاسدة مستبدة. والبيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين تنهكها الصراعات والنزاعات، وتجري فيها محاولات رفع جدران الدم الطائفية والعرقية، وتوجيه بوصلة الصراع بعيداً عن العدو الصهيوني.
وما دام الشعب الفلسطيني هو الجهة المعنية أساساً فلن يستطيع الصهاينة والأميركان فرض إرادتهم عليه؛ فهذا الشعب -الذي تمكن من إفشال عشرات المشاريع على مدى السبعين سنة الماضية- قادر على إفشال هذه "الصفقة".
وحتى لو وُجد -على سبيل الافتراض- من يدَّعي تمثيل الفلسطينيين ويوافق عليها؛ فإن قضية فلسطين -ببعدها العربي وبُعدها الإسلامي- لا يمكن تصفيتها، وستجد دائماً من يدافع عنها ويقاتل في سبيلها ويفشل مخططات تصفيتها.
ولعل حالة الانكشاف البئيس سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وأخلاقياً للأنظمة والقوى التي واجهت قوى التغيير، تهيئ لموجة جديدة قادمة تستفيد من الجولات السابقة، وتفرض إرادة الأمة في الحرية والوحدة والنهضة، وتعيد توجيه البوصلة باتجاه العمل لتحرير فلسطين.
المطلوب الآن هو الصمود والثبات على الحقوق، وعدم التنازل عن أي جزء من فلسطين مهما كانت الضغوط والأثمان، والسعي لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أساس أجندة جديدة ترمي اتفاقات أوسلو وراء ظهرها، وتعود إلى ربّها وأمتها، وتُفعّل برنامج المقاومة، وتستفيد من الطاقات الهائلة المذخورة في الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وفي الأمة، وفي كل القوى العالمية الداعمة لحقنا في أرضنا ومقدساتنا.
ولذلك، لم يبق أمام الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، إلا المقاومة والمواجهة بمعزل عن أحلام المصالحة الوطنية، لأنها مجرد فكرة جميلة في زمن قبيح.