تطرق وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في مقال نشرته صيحفة نيويورك تايمز تحت عنوان' الاجهزة العسكرية الجميلة لن تنقذ الشرق الاوسط ' تطرق الي الزيارة الاخيرة للرئيس الاميركي دونالد ترامب الي السعودية .
وفيما كان السيد ترامب وبعد التوقيع علي الصفقة التسليحية التاريخية، ضيفا في قصور العائلة السعودية المالكة، كان الشعب الايراني يحتفل بنتيجة انتخابات حقيقية ومثيرة للتحدي.. الانتخابات التي جسدت عزم الناخبين الايرانيين علي مواصلة مسار الاعتدال والتعامل البناء علي اساس الاحترام المتبادل؛ المسار الذي سهّل التوصل الي الاتفاق النووي في 2015.
وإذا كان نجاح الأساليب آنفة الذكر معيارا للنجاح في المستقبل، فإن 110 مليارات دولار اخري للسلاح لن تخفف عبئا من النفقات الاضافية عن كاهل واشنطن، ولن يساعد في توفير الامن طويل الامد للسعودي – خلافا لما تدعي الخارجية الاميركية -.
لقد كانت المرة الاخيرة التي أنفق فيها السعوديون مبلغا بهذه الضخامة، كان بدفعهم اكثر من 70 مليار دولار لصدام حسين لتسليحه في عدوانه علي ايران خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي: ولكن انظروا ماذا كانت نتيجة هذا الاجراء للعالم ولهم.
لذلك، وفي افضل الحالات، فإن ترامب مشغول بابتزاز وحلب جيراننا السعوديين وشفط أموالهم، وذلك في الواقع من الاموال التي لا يمكنهم دفعها حقا. وفي أسوأ الحالات ايضا، فإنها ستحول اميركا الي عميل للسعوديين في الشرق الاوسط – وسيتضح قبح هذه الحالة في وقت عندما نعلم ان 15 من مختطفي الطائرة الذين نفذوا هجمات 11 ايلول/سبتمبر كانوا من الرعايا السعوديين -.
ويتضح ايضا من قمع السلطات السعودية لشعبها بالضبط قبل زيارة ترامب وكذلك الهجوم الوحشي للنظام البحريني علي الاهالي المعتصمين في هذا البلد إثر هذه الزيارة، أن الحكام المستبدين في المنطقة شعروا بأنهم تسلموا صكا علي بياض ليقمعوا جميع ما تبقي من الاحتجاجات السلمية. وبعبارة اخري فإن احداثا سيئة للغاية تقع حاليا في هذا الجانب من العالم.
ومن اجل الحيلولة دون اتساع نطاق مصيبة الارهاب والتطرف العنيف، علي القادة المسؤولين في عواصم المنطقة وسائر دول العالم ان يبادروا فورا لاتخاذ خطوات جادة لمواجهة هذه الاخطار المحدقة. وبغض النظر عن رقصات السيوف والولائم الرسمية، فإن هناك تناقضات أساسية في المنطقة لابد من معالجتها.
ففي اليمن، تهجم السعودية علي حركة 'انصارالله' (الحوثيين) التي أثبتت جدارتها كأقوي قوة لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والذي يعد أسوأ تنظيم عالمي للارهاب في الوقت الحاضر. وفيما يصف الداعمون الغربيون للتحالف بقيادة السعودية، أنه بدافع دعم الديمقراطية، لكن هذا المفهوم ذاته لا يحظي بكثير من المؤيدين لا في الرياض ولا لدي سائر حلفاء اميركا العرب.
ومن المؤسف ان تتكرر نفس مأساة اليمن في سوريا. فهناك ايضا قوات تقف في الخط الاول لمواجهة المتطرفين الوهابيين، وتزامنا مع ذلك يتم تهديدها من قبل سياسة ضد الارهاب لدي الغرب، تلك السياسة التي غالبا ما تنتقي اصدقاءها واعداءها حسب المزاج.
دعوني اقولها بشكل أوضح: انما ما وصفه ترامب 'الكم الهائل من المعدات العسكرية الجميلة' لن تتمكن من شفط الماء الآسن للارهاب والتطرف العدواني الذي أوجدوه. فلا السلاسل الذهبية ولا البلورات المضيئة يمكنها ان تقدم حلا سحريا للتحركات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشكل جذور الارهاب. فالشيء الوحيد الذي سيكون مؤثرا يتمثل في الجهود الحقيقية لإطلاق تعامل شامل بين القوي الاقليمية بناء علي اساس سياسة التعايش السلمي وتقبل عدم جدوي الحلول العسكرية. هذا في حين ان السعودية تنفق الملايين بلا حساب لترويج التخويف من ايران (ايرانوفوبيا)، لتحرف الاذهان عن صادراتها العالمية اي الوهابية – التي تعتبر الايديولوجية المتطرفة والأم للقاعدة وداعش وأي تنظيم ارهابي آخر مدمر بدءا من كراتشي ووصولا الي منشستر – بينما ايران في الحقيقة تقدم العون لضحايا التطرف في العراق وسوريا. ايران وضمن بذلها العون للحفاظ علي بغداد ودمشق من سيطرة داعش، فإنها تدعم بشكل فاعل الحل السياسي للأزمات في هذين البلدين.
وفي العام 2013 قدمت اقتراحا لهدنة فورية ومبادرة لإنهاء الحرب في سوريا. فقد كانت السعودية ولفترة اكثر من عامين ترفض هذه الحقيقة بأن الصراع في سوريا لا حل عسكريا له، وذلك لتوهمها انها قادرة علي جر اميركا الي الحرب، وبذلك سينتصر عملاؤها المتطرفين في ساحة الحرب. وبعد سقوط العديد من الارواح، وأخيرا أصبحت مبادرتنا بشأن سوريا أساسا للقرار 2254 في مجلس الامن الدولي.
ومؤخرا تمكنت مبادرة منصة الحوار التي أقرت من قبل ايران وتركيا وروسيا، ورغم انها ليست مثالية، تمكنت ان تكون آلية مؤثرة لخفض التوتر. ان الدبلوماسية الثنائية تجاه سوريا، والتي تنخفض فيها حدة الصراع وتزداد الجهود المضادة للعنف، توفر صيغة معتبرة ايضا لحل التناقضات الاخري في المنطقة.
ومنذ اندلاع الصراعات في اليمن قبل اكثر من سنتين، قدمت ايران مبادرة من اربع مواد لإنهاء الحرب التي شنتها السعودية وتحدثت بغرور كاذب أنها ستحقق الانتصار فيها خلال اسبوعين. وتضمن مقترح ايران وقفا فوريا لإطلاق النار، وإرسال المساعدات الانسانية بسرعة، ودعم المحادثات بين المكونات اليمنية، ومساعدة اليمنيين علي تشكيل حكومة شاملة للوحدة الوطنية بدعم من الجيران.
إن وجود 7 ملايين يمني علي حافة المجاعة الناجمة عن تدخل إنساني، وتشرد نصف السكان في سوريا تقريبا، يبين لنا ان الازمة هي اكثر فورية من ان نحاول إهدار الوقت في توجيه اصابع الاتهام الي الآخرين. وبدلا عن ذلك، ومن اجل العثور علي حل طويل الامد لإنهاء هذه الكوارث، فعلي القوي الاقليمية ان تحدد العوامل المؤثرة المحرضة علي التطرف العدواني وان تعالجها.
وهناك خياران امام الولايات المتحدة وحلفائها اليوم، فهم قادرون علي مواصلة دعمهم المادي المعنوي وتحريضهم للمسببين بالحرب، ليستمروا في تصعيد الحرب، وقد ثبت عدم جدوي ذلك لأنه لا ينتج سوي المزيد من الموت والدمار، ويعقد التوصل ال حل دائم. أو مثلما قالت ايران منذ اليوم الاول، ان تركز هذه الدول علي حل سياسي شامل بمشاركة جميع المكونات السياسية.
في عام 1990 عندما كنت دبلوماسيا شابا، وبعد اتخاذ صدام قرارا بالعدوان علي الكويت والتضحية بمن كان يقدم له الدعم المالي من العرب، شاهدت كيف ان وزراء خارجية السعودية وحلفائها العرب، رفضوا مقترح نظيرهم الايراني لتأسيس آلية شاملة لأمن المنطقة. وبعد إهدار مئات مليارات الدولارات لشراء السلاح وبعد سنوات من إراقة الدماء بلا حد، عدنا الي المربع الاولي.
وإذا لم نكسر هذه السلسلة، فإنما سنترك هذه المسؤولية الخطيرة لأبنائنا وأحفادنا.. وعلينا ان نكون جيلا يتعلم من التاريخ لا الجيل المحكوم بتكراره.
المصدر: إرنا
انتهي/