كانت القمة برتوكولية بإمتياز، نام من "أدعوا" أنهم اصحاب القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية واليمنية ولم يكن وجود لاصحاب القضايا الحقيقية التي دُمرت بلدانهم واُنتهكت اعراضهم واُحتلت اراضيهم … سوريا التي قُتل من شعبها أكثر من 400 الف من انقى وأفضل العرب وجُرح اضعاف ذلك وهُجر اهلها كان مقعدها شاغراً حيث تمّ تجميد عضويتها حين كان يرأس مجلس الجامعة العربية دولة يمكن الا يزيد عدد سكانها عن أحدى ضواحي دمشق وكان نصيب الازمة السورية في قمة البحر الميت سطراً أو سطرين مملين وهكذا كان مع كافة القضايا المصيرية الاخرى.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- أما اليمن الذي اصبح نصف اطفاله يعانون من سوء التغذية و ثلاثة ارباع شعبه جائع وتم قتل 7500 بريء اعزل، حوالي 3000 منهم من الاطفال والنساء، وتم جرح حوالي 14 الف آخرين وتدمير 1700 مخزن ومنشأة ومصنع و540 نفق وجسر و 122 محطة كهرباء فكان يُمثلها "رئيس نائم"… أما غزة التي تعرضت لعدوان بعد عدوان كان آخره فقط قَتل وجرح أكثر من 10 الاف مواطن تم تهديم البيوت على رؤوس اصحابها وهدم المساجد والمدارس والمستشفيات بدعم مباشر من اصحاب النظام الرسمي العربي بما فيهم من جاء يدعي تمثيلهم في المؤتمر ثم استغرق في نومه اثناء جلساته. أما من خططوا لحلف (سُني) بقيادةٍ سرية او علنية من "اسرائيل" فلم يأبه نتنياهو بإعطاءهم ورقة توت ليغطوا عوراتهم بل كافأهم حليفهم الجديد بالاعلان عن مستوطنة أخرى اثناء انعقاد مؤتمرهم العظيم.
ما زال أصحاب القمة ينادون بالمفاوضات مع المحتل وكأن 50 سنة من الاحتلال والمفاوضات لم تعلمهم شيئاً. والأعجب أن ما يسمى برئيس وزراء سلطة عباس صرح أن الاعلان عن مستوطنة أخرى سيكون عقبة في مستقبل المفاوضات. أليس ذلك ما كتبه المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح لميت ايلامُ.
جاء في جريدة هارتس "الاسرائيلية" يوم الجمعة 31/3/2017 بعد انتهاء مؤتمر القمة بيوم واحد أن ما دار في كواليس القمة وفي الظلام كان هو الادهى والاهم حيث كتبت:
"مثل العادة في القمم العربية فان اللقاءات والتفاهمات بين الزعماء كانت أهم من جلسات القاعة.. وكهيئة للعرب، توقفت الجامعة العربية منذ سنوات عن لعب دورها كاطار لحل المشاكل والصراعات في الشرق الاوسط. أهمية القمة هي خلق الاجماع العربي الذي يعتمد على القاسم المشترك المتدني، وليس ايجاد حلول عملية براغماتية." واضافت هارتس:
"قبل المؤتمر ببضعة ايام انتشرت التصريحات، بما فيها تصريحات الامين العام للجامعة العربية احمد أبو الغيط، حول وجود مفاجأة في القمة من قبل الطرف الفلسطيني وبعض الدول العربية، ولا سيما السعودية. المفاجأة كانت تعني استعداد العرب لاعادة صياغة معادلة (الارض مقابل السلام)، وبدلا منها (دولة فلسطينية مقابل السلام) أي التنازل ولو بشكل مؤقت عن طلب الانسحاب من هضبة الجولان. كان هذا هو طموح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي التقى في هذا الشهر مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
لم تكن مصادفة أن صرح نتنياهو أثناء إنعقاد المؤتمر أنه على إستعداد لمقايضة السلام مع العرب مقابل دولة فلسطينية لم يحدد اوصافها والاكيد أنها ستكون نسخة طبق الاصل عن سلطة رام الله التي تعمل مقاولة للاحتلال مع اعادة تسميتها (دولة فلسطين)، وكفى الله (اهل السنة) القتال.
"سيحج" الى البيت الابيض قادة المؤتمر زرافات ووحداناً حيث قد يتضح في النهار بعض ما تم في كواليس الظلام . المشكلة هي أن من نصبوا انفسهم ممثلين للشعب والقضية الفلسطينية من دون شرعية أو تفويض من أصحاب القضية سيذهبوا ليبحثوها مع من نصب نفسه "وسيطاً نزيهاً" ليصبح هو الخصم والحكم وليعطوا اسرائيل مزيداً من الوقت لابتلاع ما تبقى من فلسطين. ألم يعتبروا أن التمدد الاستيطاني بل والاحتلال تمّ اثناء جميع الادارات الاميركية الديمقراطية والجمهورية على حد سواء ابتداء من جونسون ومنتهياً بترامب وان لعبة (الادانات الاميركية) لم تكن اكثر من ابر تخدير وكلمات فارغة المضمون لاعطاء الوقت اللازم لزرع أكثر من 600 الف مستوطن في الضفة الغربية منذ احتلالها؟ أولم يلاحظوا انه كلما جاءت ادارة اميركية جديدة لعنت اختها وكانت اكثر صهيونية بحيث أن ادارة ترامب ومبعوثيه وسفراءه اكثر تطرفاً من نتنياهو نفسه؟ الم يكفيهم ان الرئيس الاميركي الحالي أعلن جهاراً نهاراً أنه سينقل سفارته الى القدس المحتلة وأنه عين سفيراً لبلاده في "اسرائيل" يقول جهاراً ونهاراً أنه مع المستوطنات وألم يسمعوا سفيرته في ايباك و الامم المتحدة تقول أن لا أحد يستطيع أن يتكلم عن "اسرائيل" اليوم؟ فعلى ماذا سيتفاوضون؟
الرئيس المنتهية ولايته محمود عباس نفض يديه من زمان من حقه في العودة الى مسقط راسه في صفد – بل رضي بسلطة اُريد لها ان تكون سلطة "كناسة وحراسة" لاحتلال العدو – فهل من مثله يمتلك أي شرعية لتمثيل القضية الفلسطينية؟ ومصر السيسي التي سحبت طلبها من مجلس الامن لادانة بناء المستوطنات في الضفة الغربية قبل شهرين بمجرد طلب ترامب منها ذلك حتى قبل توليه الرئاسة؟ ونظام مصر الحالي الذي يعتبر التعامل مع "غزة حماس" هو تخابر مع عدو والذي يقيم علاقات استراتيجية مع العدو "الاسرائيلي" فبأي حق نصب نفسه ليتكلم عن الفسلطينيين وهو يشارك في حصار 2.5 مليون لاجئ فلسطيني في غزّة تماماً كما تحاصرهم "اسرائيل"؟ ذنب هؤلاء أنهم رفضوا الاستسلام للامر الواقع البشع لانهم يرون بيوتهم وقراهم على بعد امتار منهم يغتصبها معتدون جاءوا من كل فج عميق، فتم اغراق منافذ حياتهم في الانفاق وتمّ اغلاق معبر رفح بينهم وبين الخارج – فهل من يقوم بذلك له الحق أو اي شرعية ليمثل هؤلاء البشر او حتى أن يكون وسيطاً؟ نحن نقول هذا بأسى وحزن وسترجع مصر يوماً كما كانت حصناً للعرب، حين يصبح ولاة أمرها عالمين للحقيقة التاريخية أن فلسطين هي كانت وستبقى خط الدفاع الأول عن مصر سواء من غزوات التتار القدامى أو تتار هذه الأيام الذين يُعلنون أن دولتهم الكبرى هي من النيل إلى الفرات!!!
هناك علاقةً خاصة بين ضفتي نهر الاردن شرقية وغربية وهي علاقة تاريخية. فقد كانت التقسيمات الادارية الى ما قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين وشرق الاردن سنة 1917عرضية لا طولية – تسمى المحافظة منها (سُنجق). كان جزء من السنجق في فلسطين والجزء الاخر في شرق الاردن. فمثلاً نابلس والسلط كانتا تحت ادارة سنجق واحد – وكانت اربد وشمال فلسطين تحت ادارة سنجق واحد ايضاً – كذلك كانت منطقة الخليل في فلسطين والكرك في شرق الاردن في سنجق واحد. لذلك نجد أن العائلات بين السنجق الواحد بين شرق النهر وغربه متداخلة حتى يومنا هذا .
المشكلة بالنسبة الى الاردن هي شكلية تتمثل في ما يسمى بالشرعية الدولية والتي اسقطت السيادة الاردنية عن الضفة الغربية في قمة الرباط سنة 1974 بإعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد وذلك بناءً على تعليمات من هنري كسينجر والذي كانت تنفيذاً للقرار السري جداً لمجلس الوزراء "الاسرائيلي" في 19/6/1967 والذي نصّ على امكانية التفاوض مع مصر وسوريا على سيناء والجولان مقابل معاهدتي سلام كاملتين بين البلدين ونص القرار نفسه استبعاد السيادة الاردنية عن الضفة الغربية حيث يجب أن تبقى تحت السيادة الاسرائيلية وأن يُبعدَ شرق الاردن عنها بشكل نهائي مع إمكانية اعطاء سكان الضفة الغربية نوعاً من انواع الحكم الذاتي مع ابقاء امور الامن والاقتصاد والحدود تابعة "لاسرائيل". فالسؤال هنا: هل صهاينة البيت الابيض سيقبلون بالاردن ممثلاً عن الضفة الغربية أم انهم يريدونه لشيء اخر وهو حلّ مشكلة الديموغرافيا الفلسطينية والتي كانت حتى قبل الاحتلال ومن بعده هي هاجسهم في كل جلسات رئاسة الوزراء قبل الاحتلال وبعده والتي سموها في تلك المداولات (بقنبلة الارحام )لانها ستجعل من دولتهم دولة فصل عنصري لا يقبله العالم؟
بينما تمّ التحضير لاعلان حلف "سني" ناتو عربي كما يقولون بين شركاء "سنة" ألداء يبوسوا لحى بعضهم يوما وينتفوها اياماً اخر، يتم توجيهه ضد بلد مسلم آخر وبدلاً ان توجه الجهود الى العدو الحقيقي المغتصب للاراضي المقدسة سابقاً بل ولاراضيهم لاحقاً ثم يجعلوه حليفاً يهودياً صيهويناً ضد بلد مسلم من مذهب آخر كانوا هم أول من اعتدى ومول حرب الثماني سنوات ضد ثورته منذ ولادتها. أفلا يعلمون بان المطلوب أن يكونوا جنوداً مرتزقة تحارب لمصالح الاخرين ولتكون بلادهم مسرحاً للدمار والحروب ؟ لعلهم لم ينتبهوا في ضوضاء مؤتمرهم أنه أثناء إنعقاد القمة كانت هناك قمة كبرى في موسكو بين الرئيس الروسي والرئيس الإيراني وصفها الرئيسان بأنها علاقة إستراتيجية بمعنى الكلمة تم خلالها زيادة التبادل التجاري بين موسكو وطهران والذي ارتفع بمعدل 70% خلال السنة الماضية فقط. تم الاتفاق على بناء مفاعلات نووية جديدة في بوشهر وتم توقيع عشرات الاتفاقيات التجارية والصناعية الاخرى. هناك حلف روسي صيني ايراني يتشكل فهل يريد اصحاب السنة هؤلاء أن يجعلوا من بلادهم محرقةً ومن شعوبهم وقوداً لحروب الاخرين؟ وهل نسوا مقولة كسينجر حينما حرضوا العراق ضد ايران ان بالحروب عادةً خاسر ورابح الا تلك الحرب الايرانية العراقية فيجب أن يكون بها خاسران ؟ أفلا يعلمون أن في حروبهم المستقبلية سيكون هناك خاسران أيضاً؟ وما الفائدة أن نجعل من بلداننا مسرح ليصفي الاخرون حساباتهم ونكون نحن الضحايا؟ ما تأخذ ايران مقابل تحالفاتها نقل التكنولوجيا لبناء المصانع – بما فيها العسكرية – وما يأخذه أصحاب السنة من تحالفاتهم هو انفاق مواردهم على شراء الاسلحة من الاجيال القديمة التي لا تصلح الا لمحاربة الاشقاء والاخوة الألداء، ومزيداً من الضرائب والفقر على شعوبهم .
لعل ما كتبه قارئ جزائري معلقا على مقال عن القمة العربية وضمناً عن النظام السياسي العربي كان تعبيراً صادقاً يخَّتصر الموضوع بجملة واحدة حين كتب:
"هذا وقد رُفع مشروع بيان ختام القمة … الى البيت الابيض وذلك للمصادقة عليه … رفعت الجلسة".
*عبد الحي زلوم- راي اليوم