عندما لا يخطئ مكيافيللي .. بين الصاروخ وناطحة السحاب ..

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۰۰۹۲
تأريخ النشر:  ۱۷:۲۵  - السَّبْت  ۱۱  ‫مارس‬  ۲۰۱۷ 
حسب نيقولاي ماكيافيللي في كتابه الشهير "الأمير" فان الحاكم اذا ماخير بين أن يكون مهاب الجانب أو محبوبا فانه عليه أن يختار أن يكون مهاب الجانب على أن يكون محبوبا بالرغم من أن أفضل الخيارات هو أن يتمكن من دمج الخيارين معا فيكون محبوبا ومهاب الجانب في نفس الوقت رغم ان ذلك صعب جدا .
  طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- هنا تسأل الامم نفسها ان كانت تقدر على أن تحقق هذه المعادلة الصعبة في أن تكون محبوبة ومهابة الجانب معا .. ويبدو أن ذلك لايتيسر دوما .. فيتوجب عليها أن تختار .. خاصة اذا كانت في زمن التوحش الغربي وزمن الشرعية الدولية التي تتسلح بمسدس الفصل السابع ومؤسسات الأمم المتحدة وشراهة الولايات المتحدة لابتلاع الأمم ..

الاسرائيليون لايريدون مثلا ان يكونوا محبوبين على الاطلاق ولايهمهم العالم كله ان أحبهم او كرههم وهم يقدسون ميكيافيللية الردع ضد العرب ويرد عليهم حزب الله ومحور المقاومة بنفس المنطق وتتكرس بيننا وبينهم معادلة اللاحب والهيبة في العلاقة بين الطرفين .. فيما العرب يصرون على أن يقدموا أنفسهم في العالم على انهم محبوبون وظرفاء .. ولكن مع هذا لم يحبهم أحد كما انهم خسروا هيبتهم .. وصاروا مثار سخرية الأمم كما انهم صاروا اكثر الشعوب المكروهة في العالم .. كما هو الحال في مشيخات الخليج (الفارسي) التي تفعل المستحيل كي تكون دولا محبوبة في الغرب وتغير في ثقافتها ولسانها وعقيدتها وترقص كل يوم رقصة السامبا من أجل أن يحبها الغرب ولكن منسوب احتقارها ليس له حدود بين شعوب وحكومات الغرب رغم كل السخاء العربي والاستبسال في التبرع للجامعات الغربية وحدائق الحيوان وجمعيات الرفق بالحيوان والمشافي والبلديات .. ورغم امتلاك اسطبلات الخيول ونوادي السيارات ونوادي كرة القدم .. فالعربي مكروه وليست له هيبة .. ومن يقرأ مذكرات الساسة الغربيين ورجال مخابراتهم عن الطريقة المهينة التي يتعاملون بها مع مشيخات الخليج (الفارسي) وملوك النفط وطريقة جبي الضرائب منهم على شكل صفقات أسلحة الزامية يدرك أن ماكيافيللي لم يضع في اعتباره أبدا وجود حالة كهذه .. فهو لم يتخيل مثل هذه الثنائية اي الا تكون محبوبا وألا تكون لك هيبة رغم أنك ترقص وتخلع ثيابك وتهرج وتدفع كل الفاتورة وتقيم كل الحفلات والموائد وتشتري كل الأسلحة وتضعها على خصرك مثل الكاوبوي .. انه عربي القرن الواحد والعشرين ..

ونرى كثيرين يمرون بالبنايات العالية في دبي وقطر والكويت والسعودية ويحسون بالاعجاب من القفزة الحضارية في تلك الرمال ويتمنى بعضهم بسذاجة لو ان بلدان الشمال العربي في سورية والعراق ومصر حققت هذا الثراء والنظام المروري وهذا الرخاء الذي يتمتع به أهل الخليج (الفارسي) .. وطبعا لايلام مثل هؤلاء البسطاء على هذه النظرة الرومانسية لأنهم لايعرفون ماذا تحت تلك الأبراج من اسس استعمارية واحتلال مقنع .. ولايعرفون ان هذه الأبراج ليست ملكا للعرب ..
الايرانيون على الضفة الأخرى من الخليج (الفارسي) كان بامكانهم أن يكونوا مثل الدول الخليجية أي لديهم دولة للمطاعم والاتوسترادات ومسابقات السيارات واستثمارات الماكدونالد وستارباك ونوادي الغولف والرفاهية وذلك بالانبطاح امام استثمارات المستثمرين .. ولكنهم فضلوا أن يكونوا دولة للصواريخ على أن يكونوا دولة للاستثمارات والسياحة والاوتوسترادات ومسابقات ملكات الجمال .. لأن مهابة الدولة أهم من أن تكون محبوبة في مجلات التايم والفاينانشال تايمز ومجلات السيارات ونوادي كرة القدم ونجوم هوليوود ..

ومن يستمع لوزير الخارجية الايراني في الفيديو المرافق لتلخيص تجربة ايران التي تعرضت لمؤامرة شبه كونية بعد الثورة الاسلامية في ايران حيث تم توريط الرئيس العراقي بقيادة تلك الحرب من قبل الغرب الذي أمر مشيخات النفط بدفع تكاليف الحرب على ايران قبل أن يأمرها بدفع تكاليف حرب أميركا على العراق .. ثم على ليبيا ثم على سورية .. من يستمع للتجربة الايرانية على لسان محمد جواد ظريف يدرك أن مهابة الأمم خير من الحصول على حب الأمم لها ..
والحقيقة أن التجربة السورية التي تمكنت من الصمود لسنوات وتمكنت من ردع محاولة غزو سورية من قبل تركيا بامتلاك احدى أكبر القوى الصاروخية في العالم هي دليل آخر ومثال حي على أن الصاروخ أهم من ناطحة السحاب .. ولولا تلك الترسانة لما تردد اردوغان - بغطاء من الناتو - في اصدار الأوامر باجتياح سورية بحجة نفاذ صبره .. وتبين لنا بعد هذه الحرب أن الاستثمار في الجندي المحارب أهم من الاستثمار في المولات وملاعب الغولف .. لأن الحقيقة هي أن ناطحة السحاب التي لايحميها صاروخ ولا جندي مدرب لاقيمة لها على الاطلاق وستتعرض للسرقة والنهب والاحتلال والغزو والتدمير من قبل الطامعين والأمم التي تبحث عن هيبتها بسرقة الأمم الأخرى واضطهادها كما تقعل أميريكا في أمم العالم ..

الاستثمار في الجيوش الوطنية هو الاستثمار الرابح لأنه استثمار في الهيبة والردع .. ولولا ذلك لكان الجنود الأتراك الآن يتجولون في دمشق ليعيدوا سيرة جمال باشا السفاح والسفربرلك كما يفعلون الآن في بعض المناطق الحدودية التي سيخرجون منها كما تخرج الكلاب عندما تضرب بالحجارة لأن الجيش السوري الذي حافظ الشعب عليه بقي وتصلب بالتجربة القتالية .. وهو المؤسسة التي كانت الثورة السورية قد تعاقدت مع الغرب على بيعها خردة وبالجملة والمفرق من أجل أن يكون لدينا ناطحات سحاب ومراكز ترفيه وماكدونالدز ومؤسسات اعلامية مشبوهة الولاء وليس لدينا جيش ولاصواريخ .. بحجة أن المدنية تحميها المدنية والشرعية الدولية .. وقد تبين لنا أن الحضارة والمدنية لا تحميهما الشرعية الدولية التي تركت ايران تحت مرمى الصواريخ ثماني سنوات ولم تفعل لها شيئا .. كما قال الوزير الايراني .. أما اليوم فان الشرعية الدولية في تعاطيها مع ايران أو سورية لا تستمد شرعيتها ومنطقها من أخلاقيات مجلس الأمن والدراسات القانونية الدولية واجتهادات قضاة محكمة الجنايات بل من خلال صواريخ ايران وسورية .. باختصار يقول الوزير الايراني لمن يهدده بسحب الاستثمارات اذا لم تستجب ايران للمطالب بوقف التجارب الصاروخية: خذوا أموالكم واستثماراتكم اذا شئتم وارحلوا .. فلن نتخلى عن صواريخنا ..

ونحن بدورنا يجب أن نقول دوما: لايهم كم سنة نحارب ولايهمّ كم نخسر من المباني .. المهم ألا نخسر قدرتنا على الرفض التي نستمدها من قوة الجيش وسلاح الجيش .. والا نخسر هيبتنا التي نستمدها من سلاحنا وجنودنا وضباطنا الذين خاضوا أقسى حرب في العالم وتمكنوا من ان يتحدوا الدنيا ويكسروا ارادة الكون .. وقالوا لهذا العالم الوقح: من لم يعجبه قرارنا فليشرب البحر أو فليناطح الحيطان ..

*نارام سرجون - شام برس
رأیکم