تهمة "الارهاب" الزائفة سلاح ضد الثورة - د. سعيد الشهابي كاتب وصحفي بحريني يقيم في لندن

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۴۱۰۶
تأريخ النشر:  ۱۷:۲۶  - السَّبْت  ۲۲  ‫مارس‬  ۲۰۱۴ 
وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
في عالم امتزجت فيه المصطلحات وتداخلت القيم، اصبحت كلمة "الارهاب" مصطلحا مائعا يستخدم لشن الحروب تارة، وتشويه سمعة الدول والافراد ثانية، والانتقام من المعارضين ثالثة.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء فما يسمى "الحرب ضد الارهاب" التي اعلنها الغربيون قبل عقد من الزمن ما تزال تستخدم مبررا لكثير من السياسات التي تهدد الامن والسلام العالميين وتقض مضاجع الشعوب الآمنة بدعوى استهداف "الارهابيين"، والتي يبرر الغربيون بها دعمهم أشد الانظمة تخلفا وقمعا ودعما للارهاب وتفريخا للتطرف.

اما الدول التي لا تساير الغربيين في سياساتها الخارجية فهي الاخرى تعيش قلق الاتهام بمساندة الارهاب بين الحين والآخر.

أما البعد الثالث لمصطلح الارهاب واساءة استخدامه فيرتبط بالمجموعات التي تعارض الانظمة الديكتاتورية في العالم العربي، سواء منها الممالك النفطية ام الانظمة العسكرية وفي مقدمتها حكم العسكر في مصر.

وحتى لو لم تكن المجموعات المعارضة تستخدم العنف، فان الانظمة تتهمها بذلك، وقد تفتعل اعمال عنف لتربطها بتلك المجموعات.

تعتقد هذه الانظمة ان إلصاق صفة "الارهاب" بمعارضيها يبرر لها انتهاك حقوقهم، والتنكيل بهم ومصادرة وجودهم السياسي والاجتماعي.

 وبرغم علم الغربيين بذلك فانهم كثيرا ما يغضون الطرف عن تلك الادعاءات لاسباب عديدة من بينها ما يلي:

اولا: ان علاقاتهم بتلك الانظمة ذات ابعاد مصلحية واسعة تحظى بالاولوية قياسا بالقيم والمباديء.

ثانيا: ان هذه المجموعات لا تمتلك قدرات اعلامية او سياسية او في مجال العلاقات العامة لتبرئة ساحتها من تهم الارهاب التي تلصق بها جزافا.

ثالثا: ان الغربيين يعتقدون ان مسايرة تلك الانظمة في استهداف معارضيها سيضمن مصالحهم على المدى البعيد، لان بقاء انظمة الاستبداد ينطوي على مصالح متبادلة مع الغرب.

هذا لا يعني ان الغربيين يقبلون التهم التي تطلقها انظمة الاستبداد لوصف معارضيها، فهم يعلمون جيدا ان العالم العربي يعاني من انظمة حكم ديكتاتورية تستعصي على الاصلاح، وان اطلاقها المصطلحات على معارضيها يمكن تصنيفه في خانة الدفاع (غير الشريف طبعا) عن الوجود.

أيا كان الامر فثمة ازمة قيمية واخلاقية اصبحت تتحدى الذوق الانساني تنطلق من الابعاد المترتبة على الاستعمال المزيف لمصطلح الارهاب.

اولها ان الافراد او المجموعات المتهمة به كثيرا ما يكونون بريئين من تلك التهم تماما، وعدم الدفاع عنهم يعتبر خيانة للعدالة،

ثانيها: انه يؤدي الى تشوش مفهوم "الارهاب" الامر الذي يعقد مهمة اجتثاث الظاهرة واستهداف من يمارس العنف الاعمى ضد الابرياء في كافة مناطق العالم،

ثالثها: ان الشرق الاوسط سيبقى في قبضة الاستبداد طويلا، الامر الذي سيكرس التوجه نحو التطرف والتخلف معا.

رابعها: ان الصمت على ذلك يؤدي الى زعزعة ثقة الافراد والجماعات في النظام السياسي العالمي، ويكفر بما يعتبر "تقدما" في مفاهيم حقوق الانسان وترويج الديمقراطية واستهداف الاستبداد.

ليس جديدا اتهام المعارضين بالعنف والارهاب، فطالما استهدف الطغاة مناوئيهم بمنظومة اعلامية تعتمد التضليل وتشويه الحقائق وخلط الامور لتبرير رفض الاصلاح.

بل ربما عمد بعض الانظمة لافتعال بعض اعمال العنف والفوضى لتوفير ارضية الانقضاض على معارضيها. وتستعيد الذاكرة ما فعله جهاز السافاك الايراني في سبتمبر 1978 حين افتعل حريقا هائلا بسينما "ريكس" في مدينة عبادان، فاشعل عملاؤه النار بعد ان اغلقوا الابواب، فقتل 470 من مرتادي السينما.

كان النظام البهلوي يسعى لتشويه سمعة الثورة بتلك الجريمة، ولكن وعي الشعب حال دون ذلك.

وشهدت ثورات الربيع العربي عددا من حالات العنف المفتعلة من قبل الانظمة، وذلك لتبرير استخدام العنف ضد المواطنين.

ففي مصر كان هناك ما يسمى "حادثة الجمل" عندما اعتدت عناصر مدفوعة من جهاز الامن المصري في الثاني والثالث من فبراير 2011 على المتظاهرين بميدان التحرير بالاسلحة البيضاء وقتلت 13 شخصا.

الهدف من ذلك الايحاء بان المعارضين يتبنون العنف، وان ذلك يبرر استهدافهم بالقوة.

هذا برغم ان الحقيقة المعروفة للجميع ان ثورات الربيع العربي انطلقت سلمية بشكل كامل، ولكن بعضها استدرج لاحقا للعنف وتحول بعضها الى مستنقع من الا رهاب والقتل على الهوية.

جاء ذلك التحول بدفع خارجي في اغلب الاحيان لتوفير ذريعة استهدافها ومنعها من تحقيق اهدافها الديمقراطية.

مع ذلك فما برحت الانظمة توجه اتهاماتها لمعارضيها وتصفهم بالتطرف والارهاب، استعطافا للآخرين وطمعا في كسب الموقف الخارجي لما تقوم به من اجراءات قمعية.

وهنا تتداخل الامور والاولويات في اذهان القيادات السياسية التي تدافع عن نفسها بكافة الاساليب التي كثيرا ما تخرج عن نطاق المشروع. فالاحتجاج الشعبي، وإن صاحبه عنف، لا يبرر انتهاك حقوق الانسان وممارسة الاعتقال التعسفي او التعذيب. كما لا يحق للانظمة ان تمارس سياسات تبدو للآخرين انها "انتقامية".

بل المطلوب منها الالتزام بالقانون ومحاكمة من يرتكب جرما او خطأ بشكل عادل تتوفر فيه المعايير الدولية للمحاكمات العادلة.

فمن يمارس الاحتجاج السلمي، او العنف او الارهاب لا تسقط حقوقه الانسانية، بل يجب ان يعامل وفق القانون، ولا يتعرض لمعاملة تحط بالكرامة الانسانية كالتعذيب او الاهانة او اي شكل من وسائل الضغط النفسي.

كما لا يجوز، وفق القوانين الدولية، اكراه الافراد على الادلاء باعترافات وفق ما تريده السلطة، بل ان كل نفس انسانية مصونة، لها حقوقها وعليها التزاماتها.

ومن غير المقبول في القرن الحادي والعشرين السماح ببقاء انظمة تمارس انتهاك حقوق الانسان بشكل منهجي، ثم تعول على داعميها الغربيين من حكومات او شركات تعمل في مجال العلاقات العامة.

الثورة بين العنف والعنف المضاد، هذا هو السجال الذي يدور في اذهان الكثيرين، فهل من مصلحة الثورات التحول نحو العنف؟ وما الفرق بين العنف والارهاب؟ وهل الشعوب العربية ترضى بممارسة الارهاب؟ ثمة نقاط عديدة في هذا السياق: اولها ان العنف والعنف المضاد امر خطير لانه ينطوي على احتمال تحول البلاد الى مستنقع الحرب الاهلية والقتل على الهوية، ومن ثم القضاء على روح الثورة.

فالثورة في المصطلح العام حراك سلمي يشارك فيه اغلب قطاعات المجتمع بهدف احداث تغييرات جوهرية في التركيبة السياسية للبلدان.

ولا يمكن تعبئة الجماهير للمشاركة في هذا الحراك الا اذا انتشرت الاجواء التي يغلب عليها الحماس الثوري ويغيب عنها العنف خصوصا اذا كان ارهابا، اي يستهدف الابرياء ويزهق ارواح الآمنين. وقد يحدث بعض حالات العنف العفوي الذي لا يشكل "ارهابا".

فالارهاب هو استهداف المدنيين والابرياء بدون تمييز، ويشترط فيه سبق الاصرار والترصد مع ايديولوجية تقر ذلك.

اما ردود فعل المحتجين على اجهزة الامن، وهي غالبا تكون ردود فعل لحظية، فتصنف ضمن خانة "العنف" وليس "الارهاب".

وما يحدث في سوريا مثلا، على ايدي بعض المجموعات، يخرج عن نطاق الدفاع عن النفس المشروع، ويدخل في اطار الارهاب لانه تخطيط ورصد واستهداف بنوايا مبيتة واهداف محددة، كثيرا ما يتداخل فيها المشروع بالمحظور.

اما ردة الفعل الآنية على افعال اجهزة الامن والشرطة وربما الجيش فهي طبيعية تحدث في كل الثورات الشعبية الكبرى.

بل ان الاحتجاجات المعيشية التي تشهدها المدن الاوربية كثيرا ما صاحبها العنف (المرفوض طبعا) ولكن حكومات تلك الدول لا تصف ذلك بالارهاب.

فالارهاب يتأسس على التخطيط والاعداد وعدم التمييز بين المدنيين وغيرهم، ولا بين الكبير والصغير او بين الرجل والمرأة.

فهو قتل اعمى بدون هدف ملحوظ، وقتل عبثي غير محكوم بضوابط اخلاقية او قوانين الهية او بشرية.

وهذا يختلف عن المواجهات في الشارع بين المحتجين وعناصر اجهزة الامن والشرطة والجيش.

وفي البلدان المتحضرة يصبح العنف غير مبرر اطلاقا لان هناك اساليب قانونية لاستحصال الحق، بينما في دول الاستبداد يفرض الحكم نفسه بالقوة والعنف بعيدا عن القانون.

ولا شك ان الثورة التي لا يجد المشاركون فيها انفسهم مضطرين لردات الفعل العنيفة التي تؤدي الى الموت احيانا، تمثل هدفا لمريدي الاصلاح والتغيير الذين لا يرغبون في العنف ولا يقبلون بتحول مجتمعاتهم الى الفوضى والحرب الاهلية.

وهكذا كانت ثورات الربيع العربي قبل ان تتدخل قوى الثورة المضادة باساليبها الهادفة لاعادة توجيه مساراتها بما لا يخدم المصلحة الوطنية، او اهداف الثورة نفسها.

انها واحدة من المعضلات التي تواجه رواد التغيير السياسي في العالم العربي.

ما صعق المراقبين في الفترة الاخيرة اعلان النظام العسكري في مصر بان جماعة الاخوان المسلمين "ارهابية".

جاء ذلك بقرار من محكمة القضايا المستعجلة التي انعقدت في 24 فبراير الماضيى واصدرت ذلك القرار الذي لا ينسجم مع تاريخ الجماعة او سلوكها او فكرها وادبياتها.

الامر المؤكد ان القرار جاء لتبرير الانقلاب العسكري غير المشروع في 30 مايو الماضي الذي اسقط الرئيس المنتخب ومعه جماعته التي خاضت انتخابات عديدة في عهد مبارك وبعد سقوطه. اعتبر القرار مهزلة رخيصة صدرت عن نظام عسكري اختطف السلطة خارج صناديق الاقتراع، والغى الدستور الذي كان اهم منجزات الثورة التي اطاحت بمبارك.

ولم يمض سوى فترة قصيرة على قرار النظام العسكري المصري حتى اصدرت السعودية قرارا مماثلا .

ففي 8 مارس أعلنت السلطات المصرية عن وجود تنسيق بين مصر والمملكة العربية السعودية، قبل إدراج الرياض جماعة الاخوان المسلمين على لائحة المنظمات "الإرهابية” بحسب ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبدالعاطي.

ونقل موقع التلفزيون المصري الرسمي على لسان عبدالعاطي، توضيحه بوجود "تعاون وتنسيق بين القاهرة والرياض قبل وعقب القرار السعودي الأخير”، لافتا إلى أن هذا التعاون يهدف إلى "نشر تعاليم الاسلام السمحة ومحاربة التطرف الديني”.

واضاف المتحدث المصري: ”مصر ترحب بالقرار السعودي باعتبار الاخوان جماعة ارهابية، وتتطلع إلى أن تحذو الدول العربية الأعضاء في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 حذو المملكة، التي يأتي قرارها متسقا مع قرار الحكومة المصرية في ديسمبر الماضي بإعلان جماعة الاخوان إرهابية”.

وكانت السعودية التي تصدرت قوى الثورة المضادة بعد انطلاق الربيع العربي في مطلع 2011، من اكبر داعمي الانقلاب العسكري ضد الاخوان المسلمين في مصر والمحرضين من اجل ابعاد حركة النهضة عن الحكم في تونس، برغم فوزها باكثر من 90 مقعدا في الانتخابات البرلمانية التي اجريت في شهر اكتوبر 2011.

ولكن القرار السعودي احدث ازمة داخل مجلس التعاون الخليجي الذي تتزعمه. فقطر تدعم الاخوان بقوة وساهمت عبر قناتها التلفزيونية "الجزيرة" في تغطية ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن بشكل واضح.

وبالتالي فهي لا تعترف بالقرار السعودي، الامر الذي يلقي بظلاله على مدى فاعلية الاتفاقية الامنية التي تسعى السعودية لفرضها على دول المجلس.

كما ان تنظيم الاخوان المسلمين في الكويت يمثل ثقلا سياسيا غير قليل، وله ممثلون في مجلس الامة تحت مظلة "الحركة الدستورية" وانشطة دينية واجتماعية تحت مظلة "جمعية الاصلاح"، وطالما اسندت لبعض اعضائه حقائب وزارية، ولديه قوة مالية كبيرة.

ولكن بعد صدور القرار السعودي سعى اعضاؤه لتبرئة جماعتهم من ان يكونوا ممولين للاخوان المسلمين في مصر.

وسعى أحد المحسوبين على الجماعة في الكويت، مبارك الدويلة، لتفنيد الاشاعات بان الاخوان يسيطرون على مؤسسات مالية كبيرة قائلا: أتحدى أن يذكر أحد اسم مسؤول واحد في بنك التمويل الكويتي من الاخوان المسلمين".

مع ذلك سيؤدي القرار السعودي، فيما لو لم تتراجع الرياض عنه، الى تناقضات عملية في التعامل مع من هم محسوبون على خط الاخوان المسلمين.

وفيما اعتقل 128 من اعضاء الجماعة بدولة الامارات، واسقطت جنسيات بعضهم، الا ان الاخوان المسلمين في البحرين يتمتعون بموقع اجتماعي وسياسي مرموق، بل ان احد افراد العائلة الحاكمة ترأس في الماضي جمعية الاصلاح المحسوبة على الاخوان.

ويتولي اثنان من العناصر الاخوانية حقيبتين وزاريتين في الحكومة الحالية.

ولكن العائلة الحاكمة لم تتخذ حتى الآن اي اجراء ضدهما بعد صدور القرار السعودي، الامر الذي قد تكون له تبعات سياسية مستقبلا.

خصوصا ان البحرين هي الا خرى سعت لوصم معارضيها بالارهاب، واصدرت الشهر الماضي قرارا باعتبار ثلات مجموعات صغيرة "ارهابية".

وهكذا يتضح ان إطلاق التهم جزافا وإلصاق تهمة الارهاب بمن يطالب بحقوقه السياسية، ساهم في تمييع مفهوم الارهاب. وتعرف امريكا وحلفاؤها ان ذلك سيؤثر سلبا على مشروع "الحرب ضد الارهاب".

فحلفاؤها الخليجيون لا يترددون في وصف معارضيهم بالارهاب لتبرير قمعهم وانتهاك حقوقهم من جهة وعدم القيام باية اصلاحات سياسية على مستوى الشراكة السياسية واقامة حكم القانون وتقنين الممارسة الديمقراطية من جهة اخرى.

 بينما يرى الامريكيون ان السعودية نفسها تدعم مجموعات ارهابية في بلدان عديدة، وان مدارسها الدينية تفرخ التطرف والارهاب.

وما لم يتم التوصل الى صيغة دولية لتعريف الارهاب فستظل انظمة الاستبداد قادرة على التلاعب بالالفاظ و المصطلحات، وسيؤدي ذلك لانتشار الارهاب الحقيقي في عالم يسوده الاستبداد والقمع وغياب الحريات وحكم القانون.

فاستمرار ظاهرة الاستبداد السياسي المدعوم بالمال النفطي سيؤثر على ثقافة الحوار والتفاهم والتوافق الدولي حول السياسات العامة والمصطلحات، الامر الذي سيؤدي الى مزيد من التوتر السياسي والاضطراب الذهني.

بل ان اسقاط الخيار الديمقراطي الذي قامت الثورات العربية من اجله يستبطن استبداله بظاهرة العنف والارهاب لتبرير القمع السلطوي والتشبث باحكام الطواريء وقوانين امن الدولة ومعهما استمرار انتهاك حقوق الانسان.

أهذا ما ضحى الثوار في تونس والقاهرة وصنعاء وبنغازي والمنامة ودمشق من اجله؟ من المؤكد ان هذا ما تريده السعودية، ولكن أهذا ما يريده عالم القرن الحادي والعشرين؟
رأیکم