لقد تنبأ البعض في حمأة الحرب الإرهابية على سوريا أن النتائج التي ستفضي إليها هذه الحرب سوف تغيّر العالم، ومن هنا بلغت الشراسة الغربيّة أوجها وقدمت الدول الداعمة للإرهاب مليارات الدولارات وكل أنواع وأحدث المعدات والسلاح للإرهابيين كي تربح هذه الحرب لكنّها لم تفلح، وطبعاً لم تفلح بفضل التضحيات الجسام للشعب السوري وتفاني الجيش العربيّ السوري في الدفاع عن الوطن ودعم الأصدقاء والحلفاء.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - لكن ومنذ أن تمّ تحرير معظم أراضي الجمهورية العربيّة السورية من الإرهاب ومراكز الأبحاث الغربيّة تتفتق أذهانها عن سيناريوهات مختلفة من استخدام الكيميائي إلى الخوذ البيضاء تسقط كلّها في سلّة مهملات التاريخ لأنّها مفبركة ولا أساس لها على الأرض رغم أنهم منحوا جائزة أوسكار للإرهابيين من الخوذ البيضاء، وهذا العام يعتزمون ترشيحهم لجائزة نوبل كما يدور في أوساط الإعلام.
ولأنّهم لا يريدون الاعتراف بالهزيمة فهم يجربون عدة سيناريوهات كلّها في العمق فضائحية وتتناقض مع أبسط مبادئ الشرعية الدولية وحقوق الإنسان.
ولذلك وبدلاً من أن نعبّر عن استغرابنا وصدمتنا كلما أعلنوا عن خطوة أو سيناريو يهدفون منه تلافي أسباب هزيمتهم يجب أن نركز على معنى ومقاصد هذا السيناريو ونتائجه المستقبلية المحتملة. فقد كانت المعضلة الأساسية بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيته الانسحاب من سوريا هي هؤلاء الإرهابيون الذين يحملون جوازات سفر أوروبية وتركية وأميركية في الباغوز.
وها نحن نكتشف أنفاقاً لا يقدر على حفرها إلا دول، كما نكتشف أن الأوامر صدرت إلى الفصائل الكردية المرتهنة للقرار الأميركي باستيعاب هؤلاء الإرهابيين واحتوائهم تحت مسمى زائف «أسرهم»، ولذلك أعلنوا أن المشكلة انتهت بعد أن وجدوا لهم حلاً لأن الدول التي صدّرتهم لارتكاب جرائم إرهابية في سوريا لم تقبل بعودتهم إليها. إذاً الاستنتاج الواضح هنا هو أنهم يصدرون لنا الإرهاب ويتسببون في سفك دماء شعبنا من دون أن يرف لهم جفن.
السيناريو الآخر ومصدره مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الذي أصدر ورقة خاصة بعودة اللاجئين السوريين وقال فيها إنه يجب ألا يسمح بعودة نحو 5 ملايين لاجئ نزحوا من سوريا إلى مخيمات أعدت مسبقاً لهم في الأردن وتركيا ولبنان وغيرها لعدة أسباب: أولاً كي يتمّ حرمان سوريا من كفاءات ومهارات مطلوبة لإعادة الإعمار وبغيابهم تصبح سوريا أفقر في قدراتها وإمكاناتها.
وأضافت الورقة إنه يجب الضغط على الدول التي تؤوي هؤلاء اللاجئين وتقديم المال لها كي لا تسمح لهم بالعودة إلى سوريا، ولاشكّ أن السبب الآخر وربما الأهمّ هو الاحتفاظ بهؤلاء حتى عام 2021 كي يكونوا رهينة يبتزونها من الأمم المتحدة لدى إجراء الانتخابات، وقد شهدنا في الأسبوع الماضي ترجمة عملية ومالية للفكرة الإسرائيلية أصلاً ألا وهي تخصيص 7 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في أماكن إقامتهم ولمنع عودتهم إلى سوريا.
كان ذلك في مؤتمر بروكسل حيث تداعى من سموا أنفسهم في بداية الأزمة «أصدقاء سوريا» وهم بالحقيقة ألدّ أعدائها ليكملوا عدوانهم على سورية ولكن بطرائق جديدة ومختلفة.
السيناريو المرافق كان الضغط الذي مارسه وزير خارجية الولايات المتحدة على الدول العربيّة التابعة والأوروبية أيضاً لعدم إعادة العلاقات مع سوريا وعدم فتح سفاراتها في دمشق، وبالتوازي مع كلّ ما يحدث لسورية يتمّ استهداف الفلسطينيين ومحاولة تمرير صفقة القرن في الوقت الذي يعاني الواقع العربيّ من تشرذم وتشتت وانقسام.
وما حدث يوم الجمعة 22 آذار من تغريدة ترامب أنه حان الوقت للاعتراف بالجولان أرضاً إسرائيلية وزيارة بومبيو إلى لبنان للتحريض على حزب اللـه في بلده وأرضه يعتبر خرقاً فاضحاً وجديداً للشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة ولأدنى آداب التصرف الدبلوماسي بين الدول، ولكنّه من جهة أخرى يؤكّد أن الولايات المتحدة أصبحت تعمل لمصلحة الكيان الصهيوني بشكل معلن وغير لائق ببلد مازال يعتبر على الأقل قوة اقتصادية وعسكرية، ولكنّه من دون شكّ سقط كقوّة أخلاقيّة وسياسية وإنسانية، وأصبح تابعاً لأول مرة لـ"إسرائيل" ينفذ رئيسها وكونغرسها سياسات "إسرائيل" ويشنّ الحروب نيابة عنها.
إذ كيف يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يتخذّ قراراً يناقض به قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981 والذي وافقت عليه الولايات المتحدة نفسها في مجلس الأمن والذي صدر بالإجماع والذي اعتبر أن قرار "إسرائيل" الذي أصدرته في ذلك العام بضم الجولان هو قرار باطل ولاغ؟
اليوم الجولان هو الجولان وهو أرض عربية سورية كان وسيبقى إلى أن يتمّ تحريره، وقد عملت "إسرائيل" والولايات المتحدة جاهدتين خلال سنوات عديدة لدفع الدولة السورية للتخلّي عن بضعة أمتار من الجولان ولكنّهما لم تفلحا.
ولذلك أرى أن تغريدة ترامب في هذا الصدد ونشوة نتنياهو كلّها مجرد زبد سيذهب جفاء، فالأرض أرضنا وسوف يحررها أبناؤنا أو أحفادنا. ولكن المهم اليوم هو الاستنتاج المنطقي والطبيعي وهو أن الولايات المتحدة الأميركية خرجت عن الشرعية الدولية وعن إرادة الأسرة الدولية، وأصبحت حكومة الولايات المتحدة مجرد تابع تنفذ سياسات الاحتلال الإسرائيلي وتقوم بحملات علاقات عامة لمصلحة الكيان الصهيوني..
ومن هنا تأتي زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة إلى لبنان والذي لم يتسع صدره، قبل وقته، لترتيب الزيارة حسب المراسم المعتادة من وزارة الخارجية اللبنانية بل بدأها في وزارة الداخلية ليقول إن زيارته ذات بعد لبناني داخلي، وإنّ التركيز هو على حزب اللـه، ولكن فاته وفات أسياده في الكيان الصهيوني أن يتذكروا أن حزب اللـه اليوم هو حزب لبناني قوي وممثل في البرلمان ومنتخب، وأنّ هذا الصلف الأميركي لن يزيد حزب اللـه إلا قوة وشعبية بين أبناء لبنان الخلّص. لقد بدا بومبيو وكأنّه مبعوث دولة صغيرة يحاول أن يتذاكى ويتدخل في شؤون خاصة جداً بدولة أخرى، فأخذ الجواب الذي يستحق.
يبدو لي من كلّ هذا أن إدارة ترامب منفصلة عن الواقع وأنّها تدور في فلك حفنة من الصهاينة عملاء "إسرائيل" الذين يدّعون معرفة الشرق الأوسط والعالم، ولكن مسار الحرب على سوريا على الأقل قد برهن أنهم لا يفهمون شيئاً عن الواقع الحقيقي وأنّ ادعاءاتهم تسقط واحداً تلو الآخر في مختبر الواقع والأحداث، وكذلك سيسقط قرارهم أن الوقت حان لضمّ الجولان إلى "إسرائيل"، فهم لا يعرفون قيمة الأرض لأنهم مهاجرون ولم يكونوا يوماً أصحاب أرض توارثوها منذ آلاف السنين عن الآباء والأجداد.
أمّا أبناء الأرض الحقيقيون في سوريا والجولان وفي كلّ بقعة من هذا التراب المقدس فيعرفون أن ملكية الأوطان لا تسقط بالتقادم، وأنّ الشعب الجزائري قد حرّر الجزائر من الاستعمار الفرنسي بعد مئة وثلاثين عاماً، وأنّ الخروج عن الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة يلحق الضرر بمرتكبيه فقط وليس بالآخرين، وأنّ ترامب سيذهب، وستبقى الجولان عربيّة سورية، وسيبقى حزب اللـه فخر المقاومين الشرفاء في كلّ مكان مُلهماً لهم للوقوف في وجه الاحتلال والإرهاب حتى التحرير وتحقيق الانتصار.
أمّا على المستوى الدولي فنحن نشهد تشكّل أسرة دولية جديدة ونظام دولي جديد ترسي أسسه روسيا والصين على مبادئ الندية والاحترام بعد أن تكشفت حقيقة دعم الإرهاب والحروب وتقويض الأمن والسلام في العالم على يد الغرب الذي كان يدعي إلى وقت قريب أنه هو الأسرة الدولية، ولكنه لا يستطيع أن يدعي هذا الشرف بعد اليوم وبعد انكشاف حقيقة ومقاصد أعماله وإعلامه.
بثينة شعبان
انتهى/