العلاقات الإيرانية الأميركية بعد أربعين عاماً من الثورة الاسلامية

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۵۵۵۶
تأريخ النشر:  ۲۳:۱۰  - الأَحَد  ۰۳  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۹ 
رغم مضي اربعين عاما على انتصار الثورة الاسلامية في ايران، لكن مازالت ايران متمسكة بقطع العلاقات مع اميركا، ولم يحصل تطور او اختراق أساسي في هذه العلاقات، الامر الذي يبين بمزيد من التأكيد ان هذه القضية كانت ومازالت من ثوابت السياسة الخارجية الايرانية.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - 16 كانون الثاني/ يناير 1979 فرّ الشاه محمد رضا بهلوي من إيران بفعل الثورة الاسلامية الشعبية المشتعلة، ليعود إليها الإمام الخميني (رض) من منفاه في فرنسا بعد أسبوعين، وفي 11 شباط/ فبراير 1979 تم إعلان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ليدخل العالم كلّه في منعطف جديد وتتغيّر تفاصيل المعادلة الكونية، وتختلف موازين القوى والسياسة في واحدة من أكثر المناطق اشتعالاً على مدى الأزمنة، وهي التي لطالما شكّلت نقطة استهداف ومحوراً امتزجت فيه حركة الميدان بمسار الجغرافيا والتاريخ، ودخلت إيران في أتون الصراع بين الشرق والغرب لتصبح بعد حين هي المعادلة بحد ذاتها، وتفرض تحت راية الإسلام الشروط، وترسم معالم المراحل دون أن ترتهن بقرارها للشرق أو للغرب، وتعيد تقويم الوجهة الأساسية نحو فلسطين.

* إسقاط هيمنة أمريكا والكيان الصهيوني
لم يكن شعار مقارعة الاستكبار و"الموت لأميركا" الذي رفعه الشعب الإيراني تحت قيادة الإمام الخميني (رض) رد فعل اعتباطياً جاء بعد التحرّر من سنوات طويلة من الخضوع للغرب، ولم يكن اقتحام السفارة الأميركية في طهران، واحتجاز 52 موظفاً فيها لمدة 44 يوماً، وكذلك إغلاق السفارة الصهيونية (في الظاهر كان مكتبا تجاريا ولكنه كان يؤدي عمل السفارة وأكثر) واستبدالها بسفارة فلسطين، مجرد فعل انتقام شعبوي عاطفي، بل جاء ذلك في إطار الرؤية التي انبنى عليها أداء الحكومة الإسلامية في إيران منذ أربعين عاماً وحتى اليوم. فسفارة واشنطن كانت وكراً حقيقياً للتجسس ومركزاً رئيسياً لإدارة المشاريع الأميركية في الشرق والعالمين العربي والإسلامي، وسفارة الكيان الصهيوني كانت تمثّل الجرثومة التي ينطلق منها العمل على توسيع دائرة السيطرة الغربية في المنطقة. وبالتالي تتجلّى الرؤية الإسلامية في إيران بهدفين أساسيين: إسقاط الهيمنة الأميركية في العالم وضرب مشروع قيام الكيان الصهيوني، بما يؤدي إلى تحرير الأمة العربية والاسلامية من التبعية للغرب وتمكينها من اتخاذ قرارها الحرّ الذي يلبّي طموحات شعوبها.

* ثورة إيران لا تزال تؤرق واشنطن
ما حدث في إيران عام 1979 كان تغييرا قويا لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية حتى اليوم من استيعاب آثاره، ولذا من الطبيعي ألا تستقيم العلاقة بين طهران وواشنطن، فإيران لم تعد الشرطي الأميركي الذي يطوّع الدول العربية الغنية بالنفط، ولا مورداً يغذي الكيان الصهيوني بالنفط والغاز، ولا سياجاً فاصلاً يبنيه الغرب في مواجهة الدول الكبرى في الشرق كالاتحاد السوفييتي والصين، فقد تحوّلت إيران من الحليف الأول إلى العدو الأول، وكانت الضربة الأميركية الأولى على الثورة الفتيّة شنّ الحرب ضدها بأدوات عربية - خليجية تولّى الرئيس العراقي المعدوم صدام إشعالها، فيما تكفلت واشنطن بفرض حصار شامل وتدخّل عسكري مباشر عبر ضرب الناقلات واستهداف آبار ومصافي النفط الإيرانية. استمرت الحرب ثماني سنوات دون أن تنجح واشنطن في ضرب إيران أو تطويعها، لتدخل مباشرة على خط التطوّرات فتجتاح العراق عام 1991 بذريعة غزوه للكويت، وتعزّز قواعدها العسكرية المنتشرة في دول الخليج الفارسي بحجة حمايتها من الخطر الإيراني وتهديدات صدّام.

* الإمام الخامنئي يؤكد مبادئ الإمام الخميني الراحل (رض)
اشتدت العلاقات بين واشنطن وطهران تعقيداً حين أسقطت الفرقاطة الأميركية "فينسينت" في 3 تموز/يوليو 1988 طائرة مدنية إيرانية ما أدى إلى استشهاد 290 راكباً كانوا على متنها. ولم تعتذر الإدارة الأميركية عن جريمتها، بل اندفع جورج بوش الأب بعد فوزه بالرئاسة إلى إدراج إيران في ما يسمّى "محور الشر" مع العراق وكوريا الشمالية. واستمر التوتّر في ظل حصار شامل على إيران، وراهن الأميركيون على أن رحيل الإمام الخميني (رض) الذي توفّي في 3 حزيران/يونيو 1989 قد يضعف المنحى السياسي الإيراني حيال واشنطن، ولكن جاء الإمام آية الله السيد علي الخامنئي ليؤكد على المبادئ التي أرساها الإمام الراحل (رض(، بل أعطاها زخماً أكبر على مستوى التعاطي مع الملفات الأساسية المرتبطة بمفاصل القوة للجمهورية الإسلامية الايرانية، وفي مقدمتها البرنامج النووي السلمي والبحث العلمي والصناعي والاقتدار العسكري والأمني.

* إيران تتوصل تخصيب اليورانيوم
عملت واشنطن على محاولة ضرب استقرار إيران من الداخل بالتوازي مع تشديد الحصار، من خلال إنشاء ودعم حركات تخريبية تمثّلت باحتجاجات تقمصت الطابع الشعبي ضد إجراءات الحكومة الاقتصادية، كما عملت على محاولة استمالة بعض المسؤولين الإيرانيين وعدد من أعضاء مجلس الشورى الذين طالبوا بفتح حوار مع الإدارة الأميركية، ولا سيما في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي، وأمّلت واشنطن أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى إرساء حركة داخلية تسهم في زعزعة النظام، ولكنها جاءت متواضعة ولم تؤدّ إلى إحداث أي تغييرات فاعلة، وسرعان ما تكشّفت الأهداف الخبيثة التي كانت تختبئ خلف هذه التحرّكات، وسقطت أمام تمسّك الشعب الإيراني بثوابته ووقوفه خلف قيادته، التي طالما أكّدت أن الخلاف ليس مع الشعب الأميركي بل مع إدارته وسياستها التوسعية. ووصل التوتّر في العلاقة الأميركية - الإيرانية إلى أعلى مستوى لا سيما بعد حادثة تفجير برجي التجارة العالمية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، حيث حاولت واشنطن أن تحمّل إيران المسؤولية عما جرى، ورفعت سقف المواجهة عبر اتهام إيران عام 2002 بتطوير برنامج أسلحة نووية سرًّا، وفي المقابل أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد عام 2005 العمل في تخصيب اليورانيوم، فقابله فرض عقوبات أميركية وأوروبية جديدة على أربع دفعات بين عامي 2006 و2010، وخلال هذه الفترة استمرت طهران في تواصلها الإيجابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لم تستطع إيجاد دليل إثبات للمزاعم الأميركية.

  • ترامب فتح الحرب على مصراعيها
    عادت العلاقات إلى مرحلة من الهدوء النسبي، خلال عهد الرئيس حسن روحاني وتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الـ 5 + 1 في تموز/يوليو 2015 خلال تولّي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بعد 12 عاماً من المفاوضات المضنية، وحافظت فيه إيران على حقها في التخصيب النووي للأغراض السلمية في أطر محدّدة مقابل رفع تدريجي للعقوبات والإفراج عن الأرصدة المالية الإيرانية المجمّدة في المصارف الأميركية والعالمية، وحذّر الإمام الخامنئي الرئيس روحاني من مغبّة الوثوق بالقوى الكبرى ولا سيما أميركا في سياق تطبيق الاتفاق، وهذا ما حصل بالفعل حيث لم تستجب واشنطن لتنفيذ بنود الاتفاق، لا بل إن الحرب فُتحت على مصراعيها مع مجيء دونالد ترامب إلى الرئاسة وإعلانه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في أيار/ مايو 2018 وفرض عقوبات أقسى وأشمل على إيران، لترتدي العلاقات طابع الصدام المباشر بين إيران من جهة وبين أميركا وحلفائها من العرب والمجتمع الدولي من جهة أخرى. ولئن كانت روسيا وبعض الدول الأوروبية نأت بنفسها عن تأثيرات وتفاعلات هذا القرار، إلا أن قرارها كان نابعاً من منطلق الحفاظ على مصالحها، والسعي للتفلّت من الضغط الذي تمارسه الإدارة الأميركية حيالها في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.
  • إيران نهج ثابت لا يضعف ولا يتغيّر
    لا يمكن أن نغفل أو نتغاضى عن الاعتراف بأن إيران عانت ولا تزال تعاني من المشاكل الحادّة والتحدّيات الناتجة عن المواجهة المستمرة منذ أربعين عاماً مع الحلف الأميركي - الغربي والعربي. فسنوات الحصار الطويلة من شأنها أن تسقط أي نظام وتدفعه إلى الاستسلام، ولكن النموذج الذي أرساه الإمام الخميني (رض) في بنية الحكم، والمبادئ الثابتة التي أطلقها كرّست نهج الاستقلال، وأخذت إيران إلى تبنّي المقاومة في أوجهها ومجالاتها المختلفة لتتغلّب على تحدّياتها الداخلية والخارجية، بفعل القيادة الحكيمة ووقوف الشعب خلف هذه القيادة التي محضها ثقته ودعمه، ومهما تقلّب الرؤساء في الولايات المتحدة الأميركية وتنوّعت سياساتهم، فإن القرار في إيران راسخ لا يضعف ولا يتأثر، بل تدفعه الأزمات إلى الصلابة أكثر فأكثر. ولن يتغير هذا القرار الا بتغيير سلوك الإدارة الاميركية تجاه الشعب الايراني، وهذا من أضعف الاحتمالات.
  • انتهی/
الكلمات الرئيسة
رأیکم