المدارس في سوريا بين عهدين.. ماذا غيّرت فيها الثورة؟

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۵۵۱۰
تأريخ النشر:  ۰۹:۴۵  - الأَحَد  ۰۳  ‫فبرایر‬  ۲۰۱۹ 
من على جدران إحدى مدارس مدينة درعا بدأت قصة الثورة السورية، وبأكفٍّ صغيرة خطّت بالطباشير عبارات تمجّد الحرية وتتوعّد "الديكتاتور" بأن الدور قد وصل إليه ليرحل، لتتفجر ثورة عارمة غيّرت وجه البلد تماماً.

المدارس في سوريا بين عهدين.. ماذا غيّرت فيها الثورة؟طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - كانت مفارقة غريبة أن تبدأ الثورة في سوريا من على جدار مدرسة، وكان الأمر مفاجئاً للنظام بكل تأكيد؛ لأنه أخضع التعليم في سوريا لأدلجة بعثية مكثّفة تبدأ من أول سنوات الدراسة الابتدائية ولا تنتهي بالدراسة الجامعية.

ومع بداية الثورة هتف الطلاب في جامعات ومدارس سوريا بالشعار الآتي: "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس"، ظناً منهم أن سقوط النظام سيكون سريعاً كما حصل في تونس ومصر على سبيل المثال، لكن الظروف اختلفت وطالت الثورة ودخلت في تعقيدات كثيرة، ثم تسلّحت.

مدارس البعث
يروي المعلم محمد عز الدين لـ"الخليج أونلاين" رحلة عمله في المدراس السورية التي عمل بها مدرساً للمرحلة الابتدائية ثم مديراً، قائلاً: "منذ أن يفتح الطفل عينيه على الحياة المدرسية في الصف الأول الابتدائي تبدأ معه رحلة التوجيه الأيديولوجي".

وأضاف: "النظام يطلق على الأطفال في مرحلة الدراسة الابتدائية اسم طلائع البعث، وفيها ينصبّ الاهتمام على تمجيد رأس النظام من خلال الحديث عنه في الكتب الدراسية، والإذاعة المدرسية اليومية، والصور التي تملأ ممرات المدرسة ولوحاتها المخصصة للإعلانات، أو المجلات الجدارية، والأغاني المتنوّعة التي تشيد به وبإنجازاته".

وأشار إلى "كل هذا تحت عنوان غرس محبّة الوطن في نفوس الناشئة، في خلط غير مبرّر وغير منطقي بين الوطن ومن يحكمه".

وتابع قائلاً: "في هذه المرحلة المكوّنة من 6 سنوات تكون كل الفعاليات مكرّسة للإشادة برأس النظام وتمجيد البعث، ونشيد الأطفال الشهير الذي يحفظونه ويجب عليهم ترديده باستمرار: (للبعث يا طلائع للنصر يا طلائع..)"، مبيناً أن "هذه التعليمات تأتيهم من وزارة التربية، كما تصل لكل المدارس بطبيعة الحال، ولا يمكن مخالفتها".

وأما المرحلة المتوسطة، أو ما تسمى بالإعدادية في سوريا، ومن بعدها الثانوية، فلا يختلف فيها التوجه أبداً، إذ يقول محيي الدين رمضان: "عانى الأهالي والطلاب على حدٍّ سواء من سياسة النظام في المدارس؛ فقد مرّت مرحلة كان الحجاب فيها –على سبيل المثال- محظوراً في المدارس على الطالبات، وكانت المدارس أشبه ما تكون بثكنة عسكرية أو مؤسسة بعثية".

وأوضح لـ"الخليج أونلاين": "في هذه المرحلة لا بد من الانتساب إلى حزب البعث بوصف (نصير)، لتأتي مرحلة لاحقة يصبح فيها عضواً عاملاً بالحزب، وأما من يرفض ذلك فحلمه بالوظيفة فيما بعد مهدّد، بمعنى أن التعليم كان مسيّساً تماماً، ورأس النظام وأبوه وأفراد أسرته حاضرون في كل تفاصيل المناهج الدراسية".

وذكر محيي الدين أن "كل هذه الظروف تغيّرت بعد انطلاق أحداث الثورة السورية في 2011، حيث كان الطلاب عنصراً فاعلاً ومؤثّراً فيها، من مختلف المراحل الدراسية، وخصوصاً الجامعية، وكل هؤلاء إنما تعلموا في المدارس التي تمجّد السلطة ورأسها والحزب الحاكم، فكأن تلك الجهود التي بذلها النظام ذهبت أدراج الرياح".

ترسيخ القيم الديمقراطية
ومع خروج مناطق كثيرة عن سيطرة النظام تخلّى النظام عن مسؤولياته تجاه تلك المناطق؛ ففصل الكثير من المدرسين من عملهم، وأوقف إرسال مستلزمات المدارس إلى تلك المناطق؛ بحجة سيطرة "الإرهابيين" عليها، ما ألقى بمسؤولية كبيرة على كاهل الأهالي في تلك المناطق وعلى المجالس المحلية والقائمين على إدارة شؤون تلك المناطق.

واستأنفت المدارس عملها في تلك المناطق على الرغم من تخلّي النظام عنها، وتولّى الائتلاف السوري مسؤوليته في هذا الجانب، وأُدخلت تعديلات على مناهج النظام، كما شهدت هذه المناطق أيضاً نشاطات غنية تنوّعت بين الدينية منها والتعليمية وغير ذلك، واستمرّ هذا الأمر عدة سنوات، حيث حصل انقطاع كامل عن كل ما يتعلّق بالنظام بالنسبة إلى عدد كبير من الطلاب، وهناك من لم يعرف عن النظام إلا ما يراه من جرائمه، وما يتلقّاه في المدرسة من مدرّسيه.

يقول عمران الحوراني، وهو مدرّس ومدير سابق في إحدى هذه المدارس: لـ"الخليج أونلاين": "لقد كان منهج الائتلاف الوطني هو السّائد، وهو من الناحية التربويّة متوازن؛ يأخذ بعين الاعتبار حاجات التلاميذ العلمية والأدبيّة والفنية، وحُذف منه كل ما له علاقة بعائلة الأسد، وصُحّحت فيه الكثير من المغالطات التي كان النظام يروّجها؛ كتسمية انقلاب الثامن من آذار بالثورة، وغير ذلك".

إضافة إلى ذلك، كانت هناك مناهج دراسية وضعتها بعض المنظمات، مثل "منظمة غصن الزيتون"، التي اتبعت منهجاً خاصاً بها يعتمد على غرس القيم الديمقراطية، والتركيز على الفنون من رسم وموسيقى وفعاليات ترفيهية، كما يقول محمود الجيدوري، وهو معلّم في إحدى روضات منظّمة غصن الزيتون سابقاً.

يقول الجيدوري: "كان الهدف من ترسيخ القيم الديمقراطية لدى الأطفال إنشاء جيل يفكّر بطريقة مختلفة عن الطريقة التي فرضها علينا النظام عبر عقود، وتوعية الأطفال بما يجب أن يكون عليه التعليم، وما يجب أن يفكّروا فيه لمستقبلهم".

تناقض المناهج
ومع عودة التلاميذ إلى مدارسهم، مطلع العام الحالي 2018-2019، كان النظام قد بسط سيطرته على كامل المنطقة الجنوبية، وقبلها على الغوطتين الغربية والشرقية في ريف دمشق، ومناطق أخرى، وعادت مناهجه إلى المدارس التي ظلّت 7 سنين تعلّم التلاميذ والطلاب بشكل مختلف.

وتقول المدرِّسة سارة محمد لـ"الخليج أونلاين": "حافظ الأسد ليس بطلاً، بل مستبدّ وقاتل، وبشّار (ابنه) قاتل الأطفال ومدمّر البلاد بالبراميل المتفجّرة والأسلحة الكيماوية، وليس حامي الوطن وبانيه، وما يجري في سوريا ثورة شعبية ضد النظام الحاكم وليست مؤامرة أو إرهاباً كما يدّعي النظام. هذا ما تعلّمه أطفال المناطق الخارجة عن سيطرته".

وتتساءل "محمد": "أما الآن فالمشكلة الكبيرة التي تواجه المعلّمين والطلاب معاً بعد عودة النظام فهي كيف سنواجه الطلاب بخلاف ما تعلّموه؟ وكيف سيصدّق الطلاب الرواية الجديدة للأحداث ولما حصل؟".

وتتابع تساؤلاتها: "من الكاذب فيما سبق ومن الصادق الآن؟ والعَلَم الذي يصطفّ التلاميذ لتحيّته هذا العام -وهو غير العلم الذي كانوا يحترمونه عندما كانت المناطق محرّرة- لماذا تغيّر؟ وأيهما علم البلد على الحقيقة؟ وكيف سيعلّقون في صفوفهم ويُلصقون على دفاترهم صور بشار الأسد، التي كانوا يدوسونها لأنها رمز لبشّار المستبد الظّالم؟".

هذا التناقض الذي فُرض على جيل كامل سوف يترك آثاراً نفسيّة وسلوكيّة سيظل يعاني منها حتّى بعد تجاوزه للمرحلة العمريّة الرّاهنة، ويبدو أن النظام لم يتعلّم الدرس، كما يقول المرشد النّفسي والاجتماعي أحمد عبد الرحمن.

وأوضح عبد الرحمن لـ"الخليج أونلاين": "هؤلاء الأطفال ليسوا سذجاً ولا حمقى كما يظن النظام، ولا سيما أنهم هم من فجّروا الثورة، ويعلم كل من فقد أباه أو قريبه أن النظام هو المسؤول عن ذلك، والدليل تلك الطفلة التي كانت خارجة من الغوطة مع والدها، فطلب منها أن تقول إنها ابنة بشار الأسد، فرفضت ذلك بشدّة، قائلة: (لا ما بدي كون بنت بشار الأسد)".

هذا ما كانت عليه المناهج في المناطق المحرّرة وذاك ما آلت إليه بعد سيطرة النّظام عليها، والضّحية الحقيقية في رأي التربويين هي الأجيال التي مزّقتها المناهج المتناقضة، ودمّرت نفسيات أبنائها أكثر مما دمّرت الحرب مدنها وقراها وما مزّقت من أوصال بلادها.

 

انتهی/

الكلمات الرئيسة
رأیکم