السؤال المطروح الآن، وبعد الانتصار الكبير الذي حققته فصائل المقاومة في قطاع غزة، وتمثل في إحباط عملية أمنية إسرائيلية ما زالت مجهولة الأهداف، وإطلاق 450 صاروخًا وقذيفة على مستوطنات جنوبية، هو ماذا بعد؟ وهل ستتجدد الاشتباكات، ويحاول بنيامين نِتنياهو استعادة هيبة جيشه وقواته الأمنية لتعزيز مكانته المنهارة في أوساط الرأي العام الإسرائيلي؟
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - مَسؤولٌ كَبيرٌ مِن حركة "حماس" التقَته "رأي اليوم" استبْعَد أي رد فِعل عسكريّ إسرائيليّ "انتقاميّ" على قِطاع غزّة في المَرحلةِ المُقبِلة، لأنّ القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة تُدرِك أنّ هذا الرَّد سيَكون باهِظ التَّكاليف ماديًّا وبَشريًّا ومَعنويًّا، ولكنّه لم يَستبعِد إقدام "الموساد" الإسرائيليّ على عمليّات اغتيالٍ لبعضِ الرُّموز القياديّة لحَركة "حماس"، وبمُباركةٍ أمريكيّة، وأشار في هذا الصَّدد إلى المُكافآت التي رَصَدتها الحُكومة الأمريكيّة وتَصِل إلى خمسة مَلايين دولار عن أيِّ مَعلوماتٍ تُقَدَّم عن ثلاثة قِياديين وضعتهم على قائِمة الإرهاب، مِنهُم اثنان مِن "حزب الله"، والثّالث صالح العاروري، نائِب رئيس المكتب السياسيّ في حركة "حماس".
التَّقارير الإخباريّة الوارِدة مِن قِطاع غزّة تُؤكِّد أنّ فَصائِل المُقاومة ما زالَت في حالةِ "تأهُّبٍ قُصوَى" تَحَسُّبًا لأيِّ هُجومٍ مُباغتٍ، ولكن هذا لا يَعنِي أنّ هُناك استراتيجيّةً للتَّصعيد في الوقتِ الراهن مِن قبل الأذرُع العَسكريّة، طالما أنّ الأزَمَة السياسيّة تتعمَّق في دَولةِ الاحتِلال، مَصير نِتنياهو واستمراره كرَئيسٍ للوزراء ما زالَ مَحَطَّ الكَثيرِ مِن الشُّكوك.
ويُشارِك نِتنياهو المأزق نفسه، وإن بطريقةٍ مُختَلفةٍ ولأسبابٍ مُختَلفة، السُّلطة الفِلسطينيّة في رام الله التي وجدت نفسها وقِيادَتها في حالة تهميش غير مسبوقة، فضُغوطها الماليّة على قِطاع غزّة، وحركة "حماس" بالتّالي فقَدت مَفعولَها، بعد إشرافِ الأُمم المتحدة على تشغيل مَحطّة الكهرباء اليتَيمة في القِطاع، ووصول 15 مليون دولار نَقْدًا (كاش) حملها السفير القطري في "شوالات" وأمّنت رواتِب مُوظَّفي السُّلطة الحَمساويّة لسِتّةِ أشهُرٍ أُخرَى.
انتصارُ غزّة لم يَكُن نَصْرًا عَسكَريًّا فقط، وإنّما جاءَ نَصْرًا سِياسيًّا ومَعنَويًّا أيضًا، وضع حركة "حماس" في مَوقِف أكثر قُوّةً وأكثَر شعبيّةً، ممّا كان عليهِ الحال قبل حرب الـ 48 ساعة الأخيرة.
إطلاق صاروخ كورنيت وحيد على حافِلةٍ إسرائيليّةٍ، وإصابتها بدقّةٍ مُتناهيةٍ بَثَّ الرُّعب في صُفوفِ الإسرائيليين، وكانَ يُمكِن أن يكون هذا الرُّعب مُضاعَفًا عدّة مرّات، لو جَرَت عمليّة القَصف هَذهِ قبل نُزولِ الجُنود مِنها، وكانَ هذا مُمكن، ولكن غرفة العمليّات المُشتَركة، فضّلت توجيه رسالة قويّة إلى نِتنياهو تقول أنّ المُقاومة تَمْلُك ترسانةً ضخمةً مِن هَذهِ الصَّواريخ السوريّة التَّصنيع ووصلتها عبر الحَليف اللبنانيّ "حزب الله"، وكانَ واضِحًا أنّ نِتنياهو فَهِم مَضمونَها (أي الرسالة) بسُرعة، ووافَق على اتِّفاقِ وقف إطلاق النّار فَوْرًا، وهو اتِّفاقٌ يُعتَبر الأقصَر في تاريخِ المُواجَهةِ العربيّة الإسرائيليّة.
قِطاعُ غزّة قَبْل هذا الانتِصار هو غَيره بعده، والقِطاع هو الذي باتَ يُحاصِر إسرائيل وليسَ العَكس، مِثلَما كانَ يتَصوَّر كَثيرون مِن حُلَفاء إسرائيل في أوروبا وأمريكا وبَعضِ الدُّوَل العَربيّة.
"رأي اليوم"