حطّ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الرّحال ظهر اليوم في موسكو للمرة الثالثة منذ بداية العام لاستجداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعمل على إخراج القوات الإيرانية من سورية، التي يرى في وجودها تهديدًا وجوديًّا لدولة إسرائيل، ولكنّه لن يحصل على ما يريد.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- وسَيكون إنجازه الوَحيد من هَذهِ الرِّحلة هو حُضور مُباراة كُرة القَدم بين إنكلترا وكرواتيا في الدَّور قبل النِّهائي لمُسابَقة كأس العالم المُقامَة في العاصِمة الروسيّة.
الرئيس بوتين لا يَعمَل خادِمًا لدى نِتنياهو حتى يُلَبِّي أوامِره، أو هكذا نَعتقد، كما أنّه ليس من مَصلحَتِه إخراج القُوّات الإيرانيّة وحُلفائِها مِن سورية، وحتى إذا كان يستطيع وهُو ما نَشُك فيه فإنّ الثَّمن سيكون باهِظًا، وأبرز عَناوينه خَسارة كل إنجازاتِه في سورية ومِنطَقة الشرق الأوسط بأسْرِها، والتَّورُّط في حَربٍ دمويّةٍ شَبيهةٍ بحَربِ أشقائِه السوفييت في أفغانستان، ومُقابِل ماذا؟ إرضاء رئيس الوزراء الإسرائيلي حليف أمريكا الاستراتيجيّ في المِنطَقة، ومَصدر كل مَتاعِبها وإخفاقاتها وسبب كُل حُروبِها؟
سيرغي لافروف وزير الخارجيّة الروسي كان في قِمَّة التهذيب عندما وصف هذا الطَّلب الإسرائيلي المُتغَطرِس بأنّه ليس واقِعيًّا بالمرّة، الأمر الذي يعني بأنٍه غير مطروح على طاوِلَة البحث، وحتى لو جَرى بحثه فإنّ الرَّد الروسي سَيكون رَفضًا صَريحًا وواضِحًا لا لبسَ فيه أو غُموض.
القُوّات الإيرانيّة موجودة في سورية بِطَلبٍ من حُكومتها الشرعيّة، التي تَملُك مِقعدًا في الأُمم المتحدة، ولَعِبَت دَورًا كبيرًا في إحباط المُؤامرة التي كانَت تستهدفها، وإطاحتها من الحُكم تحديدًا، جَنبًا إلى جنب مع القُوّات والطائرات الروسيّة، وكتائِب “حزب الله” فهل من المَنطقي أن تَنسَحِب إيران الآن وبعد أن أنجَزت مُهِمّتها، وهزيمة المُؤامرة، والفَصائِل المُسلَّحة المُنخَرِطة فيها، واستعادة الجيش العربي السوري لأكثَر من 90 بالمِئة من الأراضي السوريّة؟ أم ستَعرِض عُقوبات على روسيا انتقامًا؟!
السُّؤال الأهَم الذي يتجنَّب الكَثيرون الإجابة عليه، بما فيهم نِتنياهو نفسه، هو عن خيارات إسرائيل في حال اعتذار الرئيس بوتين عن عدم تَلبِية طلبها وإخراج القُوّات الإيرانيّة من سورية، وهو السِّيناريو الأكثَر ترجيحًا؟ هل ستَذهب إلى الحَرب الشَّامِلة وتُرسِل جيشها إلى سورية؟
إذا كانت إسرائيل فَشِلت في هزيمة “حزب الله” في جنوب لبنان عام 2000، وتلقّت هَزيمةً أبشع للمرّة الثانية في عام 2006، وفَشِلت في تركيع “حماس” في قِطاع غزّة ثلاث مرّات، فهَل سيكون حظّها أفضل في مُواجَهة جيش سوري مَدعوم بحُلفاء إيرانيين أقوِياء، وحارَب سَبع سنوات على أكثر من عَشرات الجَبَهات يَوميًّا؟
ليس لدى نِتنياهو وجنرالاته وسلاحِه الجويّ إلا خيار واحِد هو استمرار ضَرباتِه الجَويّة العَشوائيّة على قاعِدة “التيفور” العسكريّة في مُحافظة حمص التي استهدفها ثلاث مرّات في أقَل من ثلاثة أشهر، وما زالَت القُوّات الإيرانيّة مُتمركِزة فيها وبَشكلٍ أقوى.. ولا نَعتقِد أنّ اليوم للتصدِّي بفاعِليّة أكبر لهَذهِ الغارات باتَ بَعيدًا.
الغارات الإسرائيليّة على سورية لن تَقضِي على وجود إيران وقُوّاتها، وحُلفائِها، مِثلَما فَشِلت قبل ذلك في وقف وصول الصواريخ إلى “حزب الله” العابِرة للأراضي السوريّة، ودليلنا أنّ الحزب، وبِشَهادَة الخُبراء العَسكريين الإسرائيليين، ازدادت قُوّته أكثر من خمس مرّات في السنوات الأخيرة، وباتَت ترسانته تَضُم أكثر من 150 ألف صاروخ من مُختَلف الأحجام والأبعاد.
فليستمر نِتنياهو في التَّهديد مِثلَما فعل ويفعل مُنذ سبع سنوات ويتقدَّم الجيش العربي السوري بِصَمت ودون ضجيج، ويَُحقِّق الانتصارات، الواحِد تِلو الآخر، ويستعيد المُحافَظة تِلو الأُخرى، بمُساعَدة حُلفائِه الرُّوس والإيرانيين، هَذهِ هِي الحقيقة التي يُريد البَعض تغييبها في هَذهِ الحَرب، والقَفز عن وَقائِعها المَيدانيّة.
قِمّة بوتين ترامب التي سَتُعقَد يوم الإثنين المُقبِل في هلسنكي لن تُناقِش مَوضوع الوُجود الإيرانيّ في سورية، وإن ناقَشته فبِشَكلٍ عابِرٍ، وسَتُناقِش مرحلة ما بَعد نِهاية الحرب فيها.. وهَذهِ هَزيمةٌ كُبرى لإسرائيل سَتَزيد مِن هَلع نِتنياهو وجِنرالاتِه حَتمًا.. والأيّام بَيْنَنَا.
الکاتب:عبد الباري عطوان
المصدر:رأی الیوم
انتهی/