نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن لجوء السلطات السعودية إلى سياسة الأرض المحروقة للوقوف في وجه الشيعة في منطقة العوامية.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن منطقة العوامية، التي تُعد مركز ثورة عام 2011 والواقعة شرقي المملكة، قد تم إخلاء سكانها وتدمير جزء من أحيائها السكانية. ففي منتصف شهر آب/ أغسطس، استعادت قوات الأمن السعودية السيطرة على هذه المنطقة، التي تحولت على مر السنين إلى معقل للمتشددين، حيث يختلط النشطاء السياسيون بالمجرمين.
وذكرت الصحيفة أن هذه العملية الأمنية قد أدت إلى القضاء، بعد فوات الأوان، على الحركة الاحتجاجية التي هزت هذه المقاطعة السعودية، ذات الأقلية الشيعية، بين سنتي 2011 و2012. وتجدر الإشارة إلى أن قرار السلطات كان متسرعا، لأنه لم يول الاهتمام الأكبر لسلامة المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على الهروب من هذه الكارثة. وانتهى الهجوم بتدمير حي المسورة التاريخي، المتواجد في إحدى الأزقة المنسية، حيث يتركز المتمردون.
وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات السعودية أعلنت أن هذه المنطقة ستشهد برنامج إعادة تأهيل، يهدف إلى تحديثها وتعزيز نشاطها الاقتصادي. على إثر ذلك، رحّبت النخب الاقتصادية والدينية في القطيف، المحاذية للعوامية بهذا الخبر.
وأفادت الصحيفة بأن هذه النخب تدعو إلى وضع حد نهائي للنشاطات المسلحة، التي وصلت أحيانا إلى استهداف البعض منهم. وخلافا لذلك، نددت جهات أخرى، خاصة المعارضة الشيعية المتواجدة في المنفى، بهذه المناورة السياسية التي تهدف إلى تدمير القوى المعارضة في منطقة الشرق الأوسط نهائيا، تحت غطاء التخطيط العمراني.
وفي هذا الإطار، اتهم علي الدبيسي، المعارض والناشط في مجال حقوق الإنسان والحاصل على اللجوء السياسي في برلين، الحكومة السعودية مشيرا إلى أنها تريد التأكد من عدم اندلاع انتفاضة جديدة في القطيف. وحيال هذا الشأن، قال الدبيسي "تم تدمير جميع الشوارع الصغيرة في العوامية، حيث يختبأ الناشطون. كما اضطر 90 بالمائة من السكان إلى الفرار، وأنا على يقين من أن جزءا منهم لن يكون قادرا على العودة. في الحقيقة، ما يحدث في هذه المنطقة يندرج ضمن سياسة التغيير الديموغرافي المتعمد، إذ تبذل السلطة ما بوسعها لفرض سيطرتها الكاملة على الوضع".
وبينت الصحيفة أن انتفاضة سنة 2011 انطلقت من العوامية. وبوحي من ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر، تغذت هذه الحركة من شعور التهميش، الذي يسيطر على الشيعة، في دولة تقوم على تقديس إسلام سني متطرف. وعلاوة على العقبات التي تواجههم في تأدية العبادة والحصول على الخدمات المدنية، يعاني الشيعة من ضغوطات ناتجة عن ضرورة تأقلمهم مع التيار الوهابي، الذي يقوم على قناعات ومبادئ معادية أساسا للشيعة.
وذكرت الصحيفة أنه بسبب وحشية القمع الذي أدى إلى مقتل نحو عشرين شخصا، فضلا عن سياسة التهدئة التي دعا إليها أعيان البلاد، أخمدت الثورة في غضون سنة ونصف من تاريخ اندلاعها. ولكن، دفع تعنت السلطة ببعض المتظاهرين إلى اللجوء للنشاط المسلح. من ناحية أخرى، أدت أحكام الإعدام الصادرة في حق العديد من رموز الثورة، على غرار الشيخ نمر النمر الذي أعدم في شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2016، إلى تنامي ميل هذه الحركة نحو التشدد والعنف.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم تواجد عصابات إجرامية مؤلفة من تجار أسلحة ومخدرات في حي المسورة، في مزيد تطرف متشددي العوامية. وإلى جانب إطلاق النار على الشرطة، وجه هؤلاء أسلحتهم إلى شخصيات مرموقة داخل مجتمع القطيف، بتهمة تورطهم وتحالفهم مع السلطات السعودية.
وبينت الصحيفة أن عملية إخلاء وهدم المسورة قد انطلقت منذ شهر أيار/ مايو المنقضي.. "وفي الحقيقة، أجبرت العناصر المسلحة، الذين نصبوا كمينا لقوات الشرطة في الحي، السلطات السعودية على إرسال تعزيزات أمنية ومدرعات في نهاية تموز/ يوليو، ناهيك عن إغلاق جميع مخارج المدينة".
وعلى امتداد أسبوعين، شهدت العوامية عصف الأسلحة الآلية وانتشار لصدى أصوات المتفجرات. وفي الإطار ذاته، صرح مدافعون عن القضية الشيعية السعودية بأن أكثر من 12 مدنيا، من العمال المحليين والأجانب، علاوة على خمسة مسلحين شيعة آخرين، قد لقوا حتفهم خلال هذا الهجوم. ومن جانبها، أعربت وزارة الداخلية السعودية عن أسفها إزاء مقتل ثمانية من عناصر الشرطة وأربعة من أفراد القوات الخاصة السعودية.
وفي الختام، قالت الصحيفة إنه تم تنفيذ العملية الأمنية بموافقة من معظم السكان، الذين من المقرر أن يتم مدهم بتعويضات مالية ضخمة، وذلك وفقا لبيانات صادرة عن السلطات السعودية. ولكن، نفى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذه المعلومات. وفي بيان صدر في أواخر شهر أيار/ مايو، عمد إلى اتهام السعودية بعمليات إخلاء "قسرية" وبتدمير "التراث الثقافي"، بعد أن نقضت بالتزاماتها الدولية.
انتهی/