أدبياً، لا يتقبّل الناس أن يقوم أحد الحاضرين بينهم بفتح فمه لأقصى حد وزفر الهواء من فمه، ويعتبرون هذا التصرّف دليلاً على شعور المتثائب بالملل والضجر ممن هم حوله، فهي ظاهرة مكروهة إجتماعياً. أما إن كان الشخص كثير التثاؤب يومياً فننصحه بزيارة الطبيب لعلّ سبب التثاؤب عارض صحي أو نفسي يوجب على الفرد علاجه في وقته.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- هي فعلاً ظاهرة مُعدية. كم من مرة لاحظت أنك تثاءبت بمجرّد رؤيتك أحد الأشخاص يتثاءب؟ الأمر لا يقتصر على النظر فحتى التفكير بالتثاؤب أو القراءة عنه يجعلك فعلياً تتثاءب.
التثاؤب عملية تترافق مع الشعور بالنعَس أو عند الإستيقاظ من النوم، الإرهاق، الملل والضجر، الإسترخاء، الجوع، الإكتئاب والضغط النفسي وأيضاً في حالات مرضيّة كحساسية التنفّس والربو وغيرها. وهناك نظرية أخرى توضح أن التثاؤب فعل إنعكاسي هدفه حماية الرئتين من الضمور, ومنهم من رأى بأن التثاؤب يحدث عندما ينخفض مستوى الأوكسجين في جسمنا. أما النظرية المُعاكسة فهي التي فسّرت التثاؤب على أنه ردّ فعل يساعد على التنبيه وتحفيز النشاط لأنها عملية تحدث عند التعب والضجر لتُحسّن مزاجنا.
إذاً، لازال العِلم حائراً في توضيح السبب الرئيسي للتثاؤب.
علمياً، ما هو التثاؤب؟
هو فعل لا إرادي عفوي ينتج منه إمتلاء الرئتين بالهواء للحد الأقصى، خلالها يتم فتح الفم بحيث يتضاعف حجم فتحة البلعوم لأربعة أضعاف حجمها الطبيعي.
يستمر هذا الفعل ل 6 ثوان ويصحبه انكماش بعضلات الرقبة والوجه وأحياناً قد يُغمض المُتثائب عينيه. عملية التثاؤب تُرافق الحيوانات في حياتها أيضاً إلا أنها تظهر بشكل واضح في المجتمع البشري، حتى الأجنّة البشرية في الأرحام تتثاءب على الرغم من أن الجنين لا يتنفّس من رئتيه.
وهذا أمر مُستغرَب كشفه التخطيط الصوتي وجعل العلماء في حيرة من أمرهم.
عدوى التثاؤب، كيف ولماذا ؟
ليست العدوى بين البشر فقط، قد تنتقل عدوى التثاؤب من الإنسان للحيوان وتحديداً الحيوانات المنزلية كالكلب مثلاً! إذاً هذه الظاهرة ليست عفوية بل إنها فريدة من نوعها، والأمر الآخر الغريب أيضاً أنها لا تحدث لمن يعانون من بعض الحالات الصحية كالفِصام أو التوحّد أو الأفراد الذين يعانون من نقص في قدراتهم الإجتماعية والإدراك.
حاولت البحث عن الدراسات التي قام بها العلماء في هذا الشأن فوجدتها في أغلبها تؤكّد علاقة التثاؤب بالعامل النفسي العاطفي والمزاجي! أي أن العامل العاطفي هو الذي يلعب الدور الأساس في حدوث هذه الظاهرة.
في إيطاليا مثلاً أوضح علماء من جامعة (بيزا) أن التّقارب بين الناس عامل مهم في تقليدهم لبعضهم البعض بشكل غير مقصود (التقليد غير المُتعمد)، لذلك نرى أن دائرة عدوى التثاؤب تكون أكبر بين أفراد الأسرة الواحدة، ومن ثم الأصدقاء المُقرّبين وتضيق دائرة العدوى بين الذين نعرفهم بشكل سطحي أو الغُرباء. إذاً الأمر يعتمد على اتحاد العاطفة بين الأفراد.
وفي في بريطانيا فإن جامعة (ديوك) أكدّت أن السبب عاطفي بحت، وأن العدوى لا تقتصر على التثاؤب فقط، بل إن تصرّفات عديدة قد تنتقل بالعدوى لنفس الرابط المزاجي الواحد كالتوتر والضحك أيضاً. دكتور أوليفيه فالوسينيسكي المتخصّص في أبحاث التثاؤب قال: بعد الدراسة تبيّن أن من يتثاءب بعُمق وبشكل متكرّر قد يُسبّب عدوى التثاؤب لسبعة أشخاص آخرين من حوله.
دكتور إيزابيث سيرولي (الأستاذة المساعدة في قسم الطب في جامعة ديوك)، أجرت دراسة خاصة بهذا الشأن، وقالت إنها بحثت في دراستها عن عوامل عديدة قد تكون السبب وراء العدوى، ومنها عامل التقدّم بالعُمر فكلما تقدّم الإنسان في العُمر كلما قلّت عنده قابلية العدوى.
وستُخصّص في أبحاثها المقبلة دراسة حول علاقة العامل الجيني والطفرات الجينية بعدوى التثاؤب، وأكّدت أن هذه الظاهرة لازالت سرّاً غامضاً احتار العُلماء في حل لغزه.
قد يعتقد البعض أن هذه الدراسات والأبحاث ما هي إلا مضيَعة للوقت أو أنها غير هادفة، إلا أن علماء النفس يولونها أهمية خاصة، فإن كانت نتيجة الأبحاث ترتبط بالعامل الجيني الوراثي فإنها ستكون باب أمل جديد سيساعد في علاج بعض الإضطرابات الصحيّة النفسيّة.
أما الدراسات التي ترتبط بالأجنّة، فإن العالمة الأميركية ميري هاينز قامت بمراقبة عدد من الأجنّة عبر التخطيط الصوتي وخلصت دراستها بأن الأجنّة استعادت نشاطها بعد التثاؤب، وربما كان هذا دليلاً بدائياً يربط بين التثاؤب واستعادة النشاط الذهني والجسدي.
هذه الظاهرة حيّرت العُلماء منذ الأزل، حتى أبقراط الفيلسوف فسّر التثاؤب على أنه علامة لحدوث مرض ما، وقال إنه وخلال التثاؤب يقوم الجسم بطرد الغازات السامة قبل ظهور أعراض الحمى، ويُسهم في تدفّق الدم إلى الدماغ، أي أنه ربط التثاؤب بالعلّة الصحيّة.
أدبياً، لا يتقبّل الناس أن يقوم أحد الحاضرين بينهم بفتح فمه لأقصى حد وزفر الهواء من فمه، ويعتبرون هذا التصرّف دليلاً على شعور المتثائب بالملل والضجر ممن هم حوله، فهي ظاهرة مكروهة إجتماعياً. أما إن كان الشخص كثير التثاؤب يومياً فننصحه بزيارة الطبيب لعلّ سبب التثاؤب عارض صحي أو نفسي يوجب على الفرد علاجه في وقته.
المصدر: الميادين نت