يُعرف مغني الريغي التنزاني سيكسموند مديكا باسم آخر هو "الرجل الأصفر لشرق أفريقيا"، وذلك لأنه مصاب بالمهق نتيجة نقص مادة الميلانين التي تعطي الجلد لونه وتحميه من الضرر الناشيء عن ضوء الشمس الساطع. والمهق هو مرض جيني موروث من الوالدين اللذين يحمل كلاهما جيناً معيبا يمنع الجلد من إنتاج الميلانين بشكل سليم.
طهران - وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- وفي تنزانيا، يبحث المعالجون المشعوذون عن المصابين بالمهق من أجل الحصول على أجزاء من أجسامهم واستخدامها كوصفات لجلب الحظ والثراء. ويمكن أن يختطف الضحايا وتقطع أوصالهم عن طريق قتلة مستأجرين، أو حتى يباعوا عن طريق أفراد من عائلاتهم، إذ يصل سعر أعضاء المصاب بهذا المرض إلى 75 ألف دولار.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 80 شخصاً مصاباً بالمهق قتلوا منذ عام 2000.. لكن هذه الاعتداءات الوحشية ليست هي الخطر الأكبر الذي يهدد حياة المصابين بالمهق في أفريقيا، إذ يواجهون الموت البطيء من مرض يعرف باسم "القاتل الصامت". فبدون ميلانين يحميهم، فهم معرضون لخطر أكبر يتمثل في الإصابة بسرطان الجلد.
يقول مارك غلاشوفير، أستاذ بالأكاديمية الأمريكية للأمراض الجلدية: "عندما لايكون عندك ميلانين، فمعنى ذلك أنه لا توجد حماية، وتكون عرضة للأشعة فوق البنفسجية طوال الوقت، وليس فقط عندما تكون مستلقياً على الشاطيء".
ويضيف: "كلما كنت أقرب لخط الإستواء، تكون الشمس أقوى، وهو ما يشكل خطورةً أكبر للإصابة بسرطان الجلد".
وتقول الجهات المعنية بمرض المهق إن أكثر من 90 في المئة من المصابين به في أفريقيا يموتون قبل أن يصلوا إلى سن الأربعين.
ووصل مديكا إلى هذا العمر الآن، وهو ما يعني أن ساعة رحيله قد اقتربت. يقول مديكا، الذي خضع في سبتمبر/أيلول الماضي لعملية جراحية لإزالة ورم قرب أذنه اليسرى: "الشمس هي عدونا الأول".
ولكن في ظلال جبال كليمنجارو الأفريقة الشاهقة، هناك محاولة لمنح الحياة لأناس مثل مديكا، عن طريق دهان "كليمنجارو للحماية" من أشعة الشمس أو "كيليصن"، والذي صمم خصيصاً للمصابين بالمهق، لكن إيصاله للأشخاص الذين هم بحاجة حقيقية له وتشجيعهم على استخدامه ليس بتلك السلاسة.
وقد أنتجت وحدة إنتاج دهان كليمنجارو القائمة على سفوح جبال كليمنجارو 15 ألف عبوة من دهان "كيليصن" العام الماضي، حسب مافالدا سوتو فالديز، صيدلانية إسبانية طورت دهان "كيليصن" بالتعاون مع مركز تدريب تنزانيا الإقليمي للأمراض الجلدية.
وتشرح فالديز وهي تضع بعضاً من الدهان على يدها، كيف يبدو "كيليصن" أكثر تماسكاً من المنتجات الاستهلاكية العادية وأكثر مقاومةً للماء والحرارة. وتقول فالديز إن المصابين بالمهق يجتاجون لوضع اثنين ميليغرام من الدهان لكل بوصة مربعة من الجلد، مرتين يومياً.
المراهم الواقية من الشمس مرتفعة الثمن بالنسبة لكثير من التنزانيين، مما يدفع كثير من الأطفال المصابين بالمرض للبقاء في الظل أو المجازفة بالإصابة بسرطان الجلد
لكن الاستخدام المتكرر لكميات كبيرة من الدهان الواقي من أشعة الشمس ليس في متناول معظم الناس. تقول فالديز: "في تنزانيا يعيش نحو 80 في المئة من السكان على أقل من دولار ونصف يومياً. ويتراوح سعر الدهان بين 10 و15 دولاراً".
وهذا هو ثمن دهان يكفي لمدة شهرين. وتقول فالديز إن ثمن قارورة الدهان الذي يمنح المصابين بالمهق الحماية التي يحتاجونها قد يصل إلى 20 دولاراً.
يذكر أن غالبية دهانات الوقاية من الشمس في أفريقيا مستوردة أو متبرع بها. وتقل حاجة سكان القارة الأفريقية للحماية بسبب بشرتهم الداكنة والتي تحتوي على الكثير من الميلانين، بمعنى أنها لا تحترق من أشعة الشمس بسرعة.
وتنمو صناعة الدهانات الواقية من الشمس في تنزانيا بشكل متسارع من أجل حماية السكان المصابين بالمهق. ورغم عدم وجود دراسات على نطاق واسع، يُعتقد أن نحو واحد من بين كل 1400 شخص مصاب بالمهق في تنزانيا، مقابل واحد من بين كل خمسة ألاف إلى خمسة عشر ألفا في معظم مناطق أفريقيا الأخرى. ويبلغ عدد سكان تنزانيا 50 مليون نسمة، الأمر الذي يجعل المهق مشكلة صحية رئيسية في ظل هذا العدد الكبير. وفي أوروبا وأمريكا الشمالية، يقدر عدد المصابين بالمهق ما بين واحد في كل 17 ألف إلى واحد في كل 20 ألف من السكان.
وعندما ظهر دهان "كيليصن" عام 2012 استعمل لمساعدة 25 طفلاً، أما الآن فهو يعطى مجاناً لـ 2800 شخص في عيادات كل أربعة أشهر.
ويمثل الأطفال أكثر من نصف الذين يحصلون على هذا الدهان.
ويقول مديكا إن مكافحة سرطان الجلد ينبغي أن يبدأ منذ الصغر، فقد نبذته عائلته بسبب جلده الأبيض وكان ينظر إليه على أنه لعنة، وقضى أيام طفولته هائماً على وجهه في الشوارع.
ويقول: "اعتدت على أن أهيم على وجهي في المدينة بلا ملابس تحميني، وقد لفحتني أشعة الشمس في كل مكان".
وقد ألقت حياة الشوارع مديكا في درب خطير، تسبب له في ورم في أذنه بعد صراعه مع الشمس.
وتمكن مديكا من إجراء عملية لإزالة الورم من أذنه في مركز كليمنجارو المسيحي الطبي بمدينة موشي. ولا يوجد سوى مستشفى واحد فقط في تنزانيا لعلاج السرطان.
يحتاج الأطفال المصابين بالمهق لارتداء قبعات وأكمام طويلة لحمايتهم من أشعة الشمس الضارة..
وفي الغالب، لا يعرف الأطفال المصابين بالمهق وأولياء أمورهم أهمية ارتداء القبعات والنظارات الشمسية والملابس ذات الأكمام الطويلة ومراهم الوقاية من الشمس، حسب بيتر آش، كندي مصاب بالمهق عملت مؤسسته الخيرية (تحت شمس واحدة) على جمع التبرعات لبناء مصنع "كيليصن" في مدينة موشي.
ويقول: "في الواقع لدينا بعض أولياء الأمور الذين يأخذون أطفالهم المصابين بالمهق ويعرضوهم للشمس لكي تصبح جلودهم داكنة اللون. وبهذا يحاولون أن يجعلوهم يبدون بلون طبيعي. وهكذا يصاب الأطفال بكل هذه الخدوش الملونة الداكنة، ومن ثم يقول أولياء الأمور: يا إلهي إنهم يتحسنون، بينما الواقع أنهم يصابون بسرطان الجلد".
ويحاول الفريق المنتج لمرهم "كيليصن" معالجة هذه المشكلة عن طريق توعية مستعملي المرهم الواقي من الشمس وعائلاتهم، وتعليم العاملين في مجال الصحة والمعلمين أخطار سرطان الجلد وأفضل السبل للوقاية منه.
المصدر/ بي بي سي