قد يكشف التاريخ يوما، لو أنصف، أن أحد الأسباب الرئيسة للصراع الإقليمي والدولي على سوريا، هو النفط. هذا الذهب الأسود كان منذ منتصف القرن الماضي سبباً رئيساً للانقلابات او محاولات الانقلاب التي قادتها الاستخبارات الأميركية CIA في سوريا وعدد من الدول الأخرى وفي مقدمها العراق الذي سجل مع الكارثة السورية أبرز وأشرس جرائم العصر بغض النظر عمن شارك في هذه الجرائم كبيادق وليس كأصحاب قرار.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- فبعد قضية الكيماوي في خان شيخون والتي قضت على أطفال بعمر ورد الربيع هذه الأيام، سارع الرئيس الأميركي الجديد والمثير للجدل دونالد ترامب الى قصف مطار الشعيرات السوري الاستراتيجي. يبدو أن ثمة هدفا غامضا خلف هذه السرعة في ردة الفعل، يتعلق بالنفط السوري. تريد واشنطن أن تكون لها اليد الطولى في دير الزور وبعض مناطق الشرق حيث القسم الأكبر من النفط والثروة الزراعية. فدير الزور تسمى عاصمة النفط ودورها استراتيجي حيال العراق ولقطع الجسر الايراني المباشر مع سوريا وحزب الله في لبنان.
ليس مهما بالنسبة لسيد البيت الأبيض من سيحكم سوريا، الرئيس بشار الأسد أم المعارضة. لا يهمه اذا استقرت في سوريا ديمقراطية او قامت ديكتاتورية، وانما الأهم هي المصالح الاميركية وما سيدر عليه أي تدخل خارجي من مصادر اقتصادية ومالية في اطار محاربته الخارجية للارهاب... ان ترامب هو قبل أي شيء آخر رجل أعمال فشل قليلا ونجح كثيرا وبنى امبراطورية مالية هائلة ويعطي الاولوية للرجل الأبيض والاقتصاد والصفقات التجارية الناجحة... وخلفه فريق يؤمن بالأمور نفسها وبينها استعادة الهيمنة الاميركية على ثروات العالم.
الحاضر يشبه التاريخ
لم يخترع ترامب شيئا في هذا البحث عن النفط السوري او عن ممرات لانابيب النفط عبر الأراضي السورية وضرب الاستراتيجية الروسية، وربما أيضا الاستعداد لدفع الشركات الاميركية صوب الشواطيء اللبنانية والفلسطينية والإسرائيلية حيث الغاز يعد بثروة هائلة.
سيد البيت الأبيض الجديد يفعل ما سلك عليه أسلافه القدامى
في هذا الاطار، يكشف الكاتب الاميركي البروفسور دوغلاس ليتل قصة خطيرة ومهمة، يقول: "في العام ١٩٤٩ كانت سوريا الدولة العربية المستقلة حديثا، مسرحاً لتجربة أولى محاولات الانقلاب السرية الأميركية. وأما السبب فيعود الى العام ١٩٤٥. آنذاك قدمت شركة النفط العربية- الاميركية آرامكو خططها لبناء خط أنابيب يصل المملكة العربية السعودية بالبحر الأبيض المتوسط. وقد نجحت هذه الشركة وبفضل مساعدة واشنطن في الحصول على تراخيص من لبنان والأردن والسعودية، لكن البرلمان السوري رفض ذلك، فكان لا بد من تشجيع انقلاب اليمين السوري".
يضيف الكاتب الذي يُدير قسم التاريخ في جامعة كلارك الأميركية، "ان خطة الانقلاب تكررت في العام ١٩٥٧، حين قرر الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني قلب النظام الحاكم في دمشق، لكن الخطة اكتُشفت وتوقفت، وطوق الجيش العربي السوري مبنى السفارة الاميركية متهما إياها بالتخطيط لقلب الرئيس شكري القوتلي وتنصيب نظام غربي الهوى مكانه، وطرد رئيس مكافحة الاستخبارات عبد الحميد السرّاج ٣ دبلوماسييين أميركيين".
ثم تكرر الأمر مرة ثالثة في العام ١٩٩١ من قبل المحافظين الجدد الأميركيين، ثم تكرر ابتداء من السنوات القليلة الماضية حيث كشفت وثائق معهد ستراتفور الأميركي عن لقاءات في وزارة الدفاع الاميركية بين معارضين سوريين ورجال استخبارات أميركية وبريطانية وذلك بغية اطاحة القيادة السورية الحالية والرئيس بشار الأسد. هنا أيضا النفط هو أحد أبرز الأسباب. ذلك أن الرئيس بشار الأسد الذي عقد تحالفا استراتيجيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، رفض مشاريع كثيرة خليجية وتركية وغربية لقطع الطريق على أنبوب النفط الروسي.
الذهب الأسود والغرف السوداء
يقول السفير الفرنسي السابق ميشال ريمبو: إنه في "خلال البحث في ملف النفط، اكتشف استراتيجيونا الجيولوجيون فجأة الموقع – المفتاح لسوريا، ذلك أنه لتمرير النفط والغاز من الخليج (الفارسي) وإيران وقطر والشركات الأميركية والروسية إلى أوروبا يجب المرور حكماً بالأراضي السورية.
وقد اكتشف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط المرتبط باللوبي اليهودي الأكثر تأثيراً في أميركا "إيباك"، أن الأراضي السورية تضم احتياطات نفطية هائلة وكذلك دول الجوار حيث بدأت "إسرائيل" منذ عام 2009 باستخراج الغاز.. وبدأت رحى الحرب تدور لأجل ذلك، كما أن قطر بحاجة إلى ضمان تصدير غازها إلى أوروبا لمواجهة المنافسة الروسية والإيرانية، وحاولت بالتالي الحصول بالقوة على طريق لأنبوب الغاز عبر سوريا".
وكتب مهندس السياسة التركية الاردوغانية، أحمد داوود اوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي" ان "روسيا تسعى إلى الدفع بشرق المتوسط إلى خارج مناطق المرور النفطي من خلال خلق أزمة مزمنة عند نقطة نزول خط باكو-جيحون الذي سيوجه ضربة لإستراتيجيتها النفطية".
في شرحه للأهداف الأخرى للحرب على سوريا، يتوقف الكاتب الفرنسي جان بيار استيفال، مطولاً عند مسألة البحث عن الطاقة. يقول: "في سياق البحث اليائس عن مصادر الطاقة في العالم، فإن سوريا وبعد أن تكون قد تخلصت من النظام المعادي (لأميركا) وتقوم مكانه حكومة صديقة، تشكل الفريسة الفضلى. ذلك أن السيطرة على منطقة غنية بمصادر الطاقة والتي توحي الاكتشافات الحديثة فيها ببداية عصر ذهبي، كانت بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية فرصة جيوسياسية حقيقية. ثم إن الوضع الجغرافي لسوريا مثالي، ذلك أن سوريا هي المنفذ الأرضي الوحيد إلى ثروة آبار الطاقة في عراق ضعيف وممزق بالحرب الطائفية وكان بدوره أيضاً باب الدخول إلى ثروات إيران المعادية والتي ينبغي (بالنسبة إلى أميركا) إخضاعها سريعاً. إنّ هذه المسوغات الجغرافية الأساسية والسرية لا يمكن استبعادها أبداً، لا بل إنها أقوى من الأهداف المستوحاة من الدفاع عن حقوق الإنسان".
كان لافتاً أن اندلاع أولى الأحداث في سوريا في ربيع عام 2011 سبق بشهرين فقط توقيع إيران اتفاقيات لنقل غازها عبر سوريا في سياق الالتفاف على العقوبات الدولية التي تمنعها من تصدير النفط وبيعه، كما سبقت بــ 3 أشهر إعلان وزير النفط السوري عن اكتشافات غازية هامة في منطقة قارا قرب حمص تصل إلى نحو 400 ألف متر مكعب في اليوم الواحد.
ونقرأ في مقال فرنسي بعنوان "كل الرهانات في سوريا" للكاتب جيروم انريك انه "بعد رفض السعودية لمشروع الأنابيب الأرضي الذي طرحته قطر عام 2009 والذي كان من المفترض أن يربطها بتركيا، اختارت أن يمر عبر أراضي العراق والأردن وسوريا، وفي هذا الإطار تقاربت الدوحة من سوريا عام 2010 في سياق اتفاقية الدفاع، لكن سوريا اختارت في نهاية الأمر الحلف الغازي مع العراق وإيران... وقد نظرت كل من قطر وتركيا و"إسرائيل" إلى هذا المشروع الإيراني العراقي السوري بعين الريبة لأنه سيكون مستقلاً تماماً عنهم في طريقه إلى أوروبا، بينما أوروبا كانت تعمل على تنويع مصادرها والتقليل من الاعتماد على الغاز الروسي. وأما أميركا فكانت تشرف على كل ذلك من خلال دعم حلفائها "إسرائيل" وتركيا وقطر وإضعاف الخصوم روسيا وإيران، وهكذا فإن مسألة الغاز صارت جزءاً مفصلياً من الصراع الدائر حالياً في روسيا... وبروتوكول الدوحة الموقع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 من قبل غالبية الأطراف المعارضة السورية يلحظ أنه في سوريا ما بعد الأسد، سيتم السماح لأنبوب النفط القطري بالمرور عبر سوريا صوب تركيا ثم أوروبا".
نفهم مما تقدم، أن النفط لا يزال منذ عام ١٩٤٩ سببا رئيسا في السعي لقلب النظام السوري، ومن السذاجة التفكير بأن مثل هذه الخطط قامت فقط عام ٢٠١١ بغية نشر ربيع عربي زاخر بياسمين الديمقراطية وأريج الحريات.
لا علاقة للانقلاب بالديمقراطية
وزير الخارجية الفرنسي السابق رولان دوما والذي يعتبر من ابرز رجال السياسة الفرنسيين في العصر الحديث يروي قصة لافتة وخطيرة تقول: ان بريطانيا كانت تعد عمليات سرية في سوريا منذ عام ٢٠٠٩، فانا كنت ازور لندن قبل عامين من اندلاع المواجهات في سوريا، والتقيت بمسؤولين بريطانيين رفيعي المستوى، أسروا لي انهم يعدون شيئا لسوريا، نعم بريطانيا كانت تعد لاجتياح المتمردين لسوريا".
وهذا السفير الفرنسي السابق ميشال ريبمو يكشف في كتابه المهم جدا "عاصفة على الشرق الاوسط الكبير" أن الثورة السورية قد خُطِّطت بمساعدة برنامج سوريا للديمقراطية (Democra Syria Program)، الذي تموله إحدى المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالاستخبارات الأميركية "سي أي أي"، وأن العدوان الإمبريالي على سوريا قد تمت برمجته منذ صيف عام 2001، ومن المهم التذكير أن "دنيس روس" أحد المستشارين، من المحافظين الجدد، لباراك أوباما المستشار الخاص لهيلاري كلينتون هو الذي كان خلف فكرة جعل المجلس الوطني السوري المعارض، محاوراً أوّل للغرب".
أما الوزير اللبناني السابق والكاتب الموسوعي د. جورج قرم فيقول عن علاقة النفط بمحاولة قلب القيادة السورية الحالية: إن الخطّة قديمة منذ سنوات وهي أن يتم الاستغناء عن الممرات، وليس عن الغاز الروسي، بل عن الممرات الغازيّة فقط التي تأتي من آسيا مثلاً أو من إيران أو عبر روسيا وأن تذهب هذه الممرات عبر دول صديقة في المتوسّط. يبدو أنه قبل أن تنفجر الأوضاع في سوريا كان هناك طلبٌ قطري بمرور أنابيب غاز ضخمة من قطر عبر "إسرائيل" على الأرجح والأراضي السورية، ويقال إن الرئيس الروسي أصرّ حينها على عدم حدوث ذلك وأوقف الصفقة، ما أغضب القطريين إلى أقصى الحدود، وأن أحد أسباب غضب فرنسا على سوريا في أيام الرئيس "ساركوزي" وقبله الرئيس "شيراك" هو صفقة مُقررة للتنقيب عن النفط والغاز في سوريا لشركة "توتال". لكن هذه الشركة لم تنل هذه الصفقة في آخر لحظة، وتمّ تلزيمها إلى شركة كنديّة. بسبب ذلك طار عقل الرئيس الفرنسي ضد الرئيس "الأسد" .
صحيح أن بعض الذين تظاهروا في سوريا كانوا يريدون تحسين ظروف حياتهم وإقامة ديمقراطية حقيقية، لكن الأكيد ان بعضهم الآخر كان عن قصد او غباء مجرد بيدق لخطط جهنمية لا علاقة لها بالديمقراطية والحريات، وانما بجشع عالمي... ( فكثيرون ممن دعموا المقاتلين في سوريا ليس عندهم ديمقراطية او انهم متحالفون مع دول لا تعرف ماذا تعني كلمة ديمقراطية).
ثم لنتذكر جيدا انه بعد اجتياح ليبيا وقتل العقيد معمر القذافي تمت فبركة انتحار وزير النفط الليبي شكري غانم في نهر الدانوب في النمسا... يقال أنه كان يملك كل أسرار الصفقات الغربية مع القذافي.
نذكر ان دولا عديدة نجحت سي آي أي في قلب أنظمتها بسبب النفط او رفض عقود نفطية من قبل دول ارادت استقلال قرارها وشيئا من كرامة، من حكومة مصدق في ايران الى اميركا اللاتينية الى الكونغو وساحل العاج وفيتنام والعراق وصولا الى ليبيا.
لكن سوريا لن تكون ليبيا.... هكذا قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين... وهو حتما سيستمر في قول ذلك للرئيس دونالد ترامب، ليس كرمى لعيون سوريا وانما لان مصالح روسيا النفطية والأمنية والسياسية كبيرة في سوريا والبحر الأبيض المتوسط.
سامي كليب/ شام تايمز