محور المقاومة.. دلائل مؤثرات القوى اللادولتية في تشكيل الاستراتيجيات الدولية

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۸۴۲۶
تأريخ النشر:  ۱۵:۱۲  - السَّبْت  ۲۴  ‫فبرایر‬  ۲۰۲۴ 
هر محور المقاومة، الذي يُصنَّف في إطار القوى اللادولتية، ليشكل مرة أخرى عقبة أثبتت قدرة استثنائية في تعطيل مسار استراتيجي لقوة عالمية تبحث في كيفية المحافظة على نفوذها الأحادي في المنطقة.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- انتظرت الولايات المتحدة الأميركية حتى عام 2001 لتتخلص من تأثيرات النظام الدولي ثنائي القطبية، بحيث إنها، في الفترة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، واظبت على تأكيد التزامها، صورياً على الأقل، آليات العمل الجماعي في معالجة القضايا الدولية والإقليمية التي تقرر أنها تهدد السلم والأمن الدوليين.

فبعد أن حرصت على تشريع تحرير الكويت في مجلس الأمن، في ظل ما عدّته تهديداً عراقياً للسلم والأمن الدوليين، عمدت بعد أحداث أيلول/سبتمبر إلى إظهار التضامن معها، دولياً وأممياً، على أنه واجب يفترض التزام ما تقرره.

وعليه، لم تسمح بظهور أي معارضة في الأمم المتحدة لمشروع احتلال أفغانستان، ثم ذهبت إلى احتلال العراق بطريقة أحادية، عبّرت عن ترجمة حقيقية للنظام الدولي الذي تريده. فمن خلال توجهها إلى ترتيب هذا النظام، وفق السيناريو الذي يفترض أمركته، سعت الولايات المتحدة لمنع ظهور أي منافس دولي، وعمدت إلى توظيف القوة الصلبة في سياستها الخارجية. وبالتوازي مع عدّ مقولة الرئيس بوش الابن، في تلك المرحلة، "من ليس معنا فهو ضدنا"، دفعت إلى اعتماد تصنيفاتها للإرهاب كمرتكزات أساسية للنظام الدولي الذي أرادته.

من ناحية أخرى، وبسبب غياب المنافس الدولي نتيجة تسليم الاتحاد الأوروبي لخيار التبعية للمشروع الأميركي تحت عنوان التكامل والتضامن، وبحيث إن الاهتمامين الروسي والصيني لم يكونا موجَّهين في تلك المرحلة من أجل التدخل في الشؤون الدولية، وإنما كانت جهودهما تستهدف إعادة بناء عوامل القوة الداخلية وتمتينها، توجهت أنظار الولايات المتحدة في ظل إعادة ترتيبها للنظام العالمي إلى توطيد وجودها في منطقة الشرق الأوسط، بحيث إنها استنتجت إمكان توطيد موقعها العالمي من خلال السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالموارد والمتميزة بموقعها الاستراتيجي، عبر ممراته المائية الحيوية للتجارة العالمية، من دون أن ننسى أهمية المحافظة على تفوق الكيان الإسرائيلي وقوتها، بالنسبة إليها.

وعليه، عمدت الولايات المتحدة، في تلك المرحلة، إلى محاولة العبث بالخريطة السياسية للمنطقة، بحيث أسقطت النظام العراقي وعملت على احتواء الدول المناوئة لسياساتها في المنطقة من خلال ممارسة سياسة تستهدف محاصرتها وفرض حظر اقتصادي عليها، ومحاولة تقييدها بعشرات القواعد العسكرية التي نشرتها قرب حدودها. بالتوازي، عمدت الولايات المتحدة إلى توقيع اتفاقات دفاعية مع الممالك الخليجية تحت حجة ضمان حمايتها من أخطار الإرهاب، وكثّفت جهودها للوصول إلى توقيع اتفاقيات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، على نحو يساعد على إسقاط المنطقة تحت إدارتها ونفوذها وتصنيفاتها، ويجعلها من الأدوات المساعدة في المحافظة على موقعها في اللحظة التي يحاول أي من الأقطاب الدولية التحرك. 

وإذا كانت الولايات المتحدة اكتفت، في تلك المرحلة، بتطبيق سياسة الاحتواء في مواجهة الدول المناوئة لها في المنطقة، بحيث إن مسارها في مواجهة تلك الدول لم يتخط محاولة تقييد حراكها الإقليمي عبر التهديد من ناحية، وتقديم الوعود والإغراءات من ناحية أخرى، فإن بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين شهدت تحولاً على مستوى توجهها في المنطقة، بحيث اعتمدت خياراً مغايراً، عنوانه إسقاط الأنظمة من خلال محاولة استغلال ما عُرف بـ"الربيع العربي".

وإذا كان من الممكن توصيف السلوك الأميركي في تلك المرحلة، فمن السهل أن يُظهر خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، والذي ألقاه في القاهرة في أيار/مايو 2011، أنه الدليل العملي على هذا السلوك، بحيث لم يؤدِّ التمسك بالسردية الأميركية، التي زعمت أنها تفاجأت بالحراك في تونس، إلى اعتماد الحياد في المرحلة التي تلت، إذ عمدت إلى تكييف مسارات الحراك في دول المنطقة على نحو يلائم توجهاتها.

وبالتوازي مع الوعود بحزمات اقتصادية لمصر وتونس، دافعت الإدارة الأميركية عن العقوبات التي فرضتها على بعض الأنظمة، وقدمت لسلوك دول أخرى، أمعنت في قمع الحراك فيها، تبريرات تتوافق مع ما يمكن عدّه مساراً يلائم مصالحها وتوجهاتها في المنطقة.

في هذا الإطار، افترضت تقديرات دوائر القرار الأميركي أن العمل غير المباشر على إسقاط بعض الأنظمة سيقدم إليها ما يمكّنها من تغيير خريطة توزيع القوى في المنطقة، وسيساعد على تحقيق ما يلائم تطلعاتها ومصالحها في ظل توجّه الرئيس باراك أوباما إلى الانكفاء عن التدخل المباشر، والامتناع من استخدام القوة المباشرة في المنطقة، والتوجه نحو الباسفيك.

غير أن حسابات الواقع الميداني لم تتطابق مع التوجهات النظرية للسياسة الأميركية، بحيث إن محاولة الدفع إلى إسقاط الأنظمة المناوئة للولايات المتحدة، عبر حراك داخلي، اصطدمت بمقاومة نجحت في تكريس رؤيتها لمواجهة ما تم تحضيره للمنطقة، إذ رسمت أطر المعركة مع الولايات المتحدة وفق سيناريو يتخطى في فعاليته ما يمكن لدولها أن تحققه. 

من خلال التكامل والتضامن والإصرار على المواجهة المباشرة، استطاع محور مقاومة، عبر قوى عابرة للحدود، من اليمن إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، أن يربط بين المشروع الأميركي، متمثلاً بادّعاء نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب، وبين نظرية الفوضى التي عدّتها مراكز الأبحاث الأميركية مدخلاً لفرض تحولات في واقع دول المنطقة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على نحو قد يساهم، بحسب زعمها، في تحقيق المصالح والرؤية الأميركية للمنطقة.

وعليه، لم يجد هذا المحور أيّ حرج في مواجهة هذه التحولات، واستطاع أن يتخطى عقدة تصنيفه على أنه يواجه حراكاً شعبياً يستهدف تحول أنظمته نحو الديمقراطية ليواجه عسكرياً ما ثبت فيما بعد أنه لا يتعدى حدود إسقاط الدول المناوئة للولايات المتحدة، بحيث ساد الهدوء والاستقرار في كل البلدان الحليفة أو الواقعة تحت نفوذ هذه الأخيرة.

في هذا الإطار، يجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تكتفِ، في سعيها للمحافظة على موقعها ومصالحها، بمخطط تعميم الفوضى في الدول التي تحتضن قوى المقاومة، وإنما انتقلت إلى البحث عن وسيلة أخرى تساعد على تماسك مشروعها، بحيث أولت اهتماماً كبيراً لضرورة التوصل إلى نتائج إيجابية وسريعة في موضوع تطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية، على نحو يساعد على فرض معادلة تتخطى في تأثيراتها تداعيات فشلها في مخططها لما عُرف بـ"الربيع العربي".   

وإذا كانت الولايات المتحدة استشعرت نجاحاً لمشروع صفقة القرن، ومن بعدها اتفاقات السلام الإبراهيمي، بحيث إنها باتت قاب قوسين أو أدنى من ضم المملكة العربية السعودية إلى هذا المشروع، مع ما يعنيه التطبيع السعودي لعلاقاته بالكيان من تقدم على مستوى المشروع الأميركي لتكييف المنطقة مع ما يلائم توجهاتها، فلقد جاء طوفان الأقصى لينسف فرضية النجاح الأميركي في إسقاط المنطقة تحت إدارتها ونفوذها، بحيث أثبتت الوقائع، التي كرستها وحدة الساحات، أن المسار الذي سلكه محور المقاومة لا يرتبط برد الفعل على السلوك الإسرائيلي العدواني في قطاع غزة فقط، وإنما يؤشر على مخطط يستهدف مواجهة الأطر الاستراتيجية التي أرادت الولايات المتحدة من خلالها الالتفاف على التراجع الذي حكم مشروعها في مرحلة ما بعد الانكفاء.

وبالتالي، ظهر محور المقاومة، الذي يُصنَّف في إطار القوى اللادولتية، ليشكل مرة أخرى عقبة أثبتت قدرة استثنائية في تعطيل مسار استراتيجي لقوة عالمية تبحث في كيفية المحافظة على نفوذها الأحادي في المنطقة، على نحو يطرح حكماً فرضية تأثيره في تشكيل النظام الإقليمي، وبالتالي تأثير القوى اللادولتية في تشكيل توازنات النظام العالمي الجديد.

انتهی/

رأیکم