هندسة النظام الإقليمي بعد طوفان الأقصى ومحدودية الدور الإسرائيلي

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۸۳۹۷
تأريخ النشر:  ۱۶:۱۸  - السَّبْت  ۱۷  ‫فبرایر‬  ۲۰۲۴ 
الكيان الإسرائيلي الذي ما زال يقرأ الدور الأميركي ربطاً بمعطيات الأحادية التي تعتمد على القوة الخشنة والمباشرة لم يجد في المشروع الأميركي، الذي يسعى إلى تكريس اعتماد الحلفاء على الذات واعتماد الحوار كوسيلة للحفاظ على مكتسبات الأحادية.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباءمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، استطاعت الولايات المتحدة الأميركية أن تفرض رؤيتها لكيفية هندسة التوازن الإقليمي في المنطقة، إذ صاغت عملية السلام التي افتُتحت في مدريد بحسب التوجهات التي تفترض اعتبار الكيان الإسرائيلي إحدى أهم الركائز التي لا يمكن الالتفاف عليها. 

وإذا كانت الترتيبات التي تمت في تلك المرحلة قد تخطت مرحلة إقناع دول المنطقة بضرورة دمج الكيان الإسرائيلي في النظام الإقليمي أو الاعتراف به لتعمل على تأكيد تطابق التوجهات الأميركية مع مثيلاتها الإسرائيلية، فقد أجمعت إستراتيجيات الأمن القومي التي صاغها الرؤساء الأميركيون على ضرورة التعاطي مع الكيان الإسرائيلي، إذ إنه الوحيد القادر على حماية المصالح الأميركية في المنطقة، أي بما يجعله شريكاً إستراتيجياً فاعلاً يتخطى في أهميته النوعية المعايير الكمية التي يمكن للدول العربية مجتمعة أن توفرها.

وإضافة إلى إمكانات اللوبي الصهيوني الانتخابية التي يمكن التدليل عليها من خلال تصريح الرئيس الأميركي هاري ترومان أمام عدد من السفراء الأميركيين لدى بعض العواصم العربية، إذ قال إن عليه أن يستجيب لمئات الآلاف من الناخبين الإسرائيليين الذين لا يتوفر مثل عددهم من العرب والمسلمين، استطاع الكيان الإسرائيلي أن يضمن دور الشريك المؤثر في صياغة هذه الإستراتيجيات من خلال إيحاء قادته أيضاً بتماثل المصالح والمرتكزات الأيديولوجية، إذ إن البعد الديني الذي ساد عند اليهود شكل نقطة تقاطع مع المتدينين الأميركيين الأوائل لناحية أنهما يمثلان "شعب الله المختار"، إضافة إلى اعتبار دولتيهما هدفاً مشتركاً للإرهاب الذي تشكل منطقة الشرق الأوسط منطلقاً له، من دون أن ننسى بدعة معاداة السامية التي نجحت جماعات الضغط الصهيونية في تكريسها كمعيار حاكم لضرورات تعميق العلاقات بين الطرفين. 

بالطبع، وكما في فترة الحرب الباردة، حين شكّل الكيان الإسرائيلي خط الدفاع الأول في وجه التمدد الشيوعي في الشرق الأوسط، استفاد الكيان الإسرائيلي من السياسات الأميركية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ ساهمت سياسة الاحتواء المزدوج التي هدفت إلى احتواء الجمهورية الإسلامية والنظام البعثي العراقي، إضافة إلى خطاب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن الذي تحدث عن ضرورة مواجهة ما سماه بمحور الشر، أي العراق والجمهورية الإسلامية وليبيا، في تكريس الرؤية الإسرائيلية التي تفترض محاصرة وإسقاط أي نظام قد يشكل تهديداً لهما، كإحدى المرتكزات التي لا يمكن للولايات المتحدة الخروج عليها، إذ إنها تشكل ترجمة عملية لمنطلقات المصالح الأميركية في المنطقة، غير أن التغير الذي طال الإستراتيجية الأميركية بعد وصول باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية أرخى بظله الثقيل على الرؤى الإسرائيلية التي استشعرت خطراً على موقعها ربطاً بالانكفاء الأميركي المفترض الذي تجلى من خلال تبني الولايات المتحدة مساراً يعتمد سياسة بسط النفوذ بالتوازي مع التخفيف من استخدام القوة المباشرة في المنطقة.

الكيان الإسرائيلي الذي ما زال يقرأ الدور الأميركي ربطاً بمعطيات الأحادية التي تعتمد على القوة الخشنة والمباشرة لم يجد في المشروع الأميركي، الذي يسعى إلى تكريس اعتماد الحلفاء على الذات واعتماد الحوار كوسيلة للحفاظ على مكتسبات الأحادية، ما يضمن له تفوقه، إضافة إلى إمكانية تعريضه لخطر وجودي. 

وبناء عليه، انعكست هذه الإستراتيجية على الداخل الإسرائيلي، إذ ارتفعت أسهم اليمين المتطرف الذي هيمن على الحياة السياسية تحت عناوين ضرورة الاعتماد على القوة الذاتية وإمكانية مواجهة لحظة تخلٍ أميركية عن الدعم اللامحدود للكيان إذا ثبتت لدى صناع القرار الأميركيين إمكانية تأثيره في التوجه الأميركي الذي بدأ يلمس محدودية قدراته على مواجهة القوى الكبرى، أي الصين وروسيا.

وعلى الرغم من الدعم اللامحدود الذي قدمه دونالد ترامب للكيان الإسرائيلي في فترة حكمه، لم يستشعر الكيان الإسرائيلي الأمان المطلق الذي يمكن أن يُترجم على أنه عودة إلى تبني المسار السابق، إذ إنه ركز على ضرورة تمتين العلاقة بين الدول العربية والكيان كضرورة للحفاظ على موقع الكيان بالتوازي مع إحجامه عن مواجهة الجمهورية الإسلامية مباشرة. 

وإذا كان بنيامين نتنياهو قد استبشر خيراً بوجود ترامب في الحكم، فإن عدم تمكن الأخير من الفوز بفترة رئاسية ثانية أعاد الكيان إلى دائرة القلق، إذ إن إدارة بايدن لم تُقرأ في الكيان إلا استكمالاً لمسار باراك أوباما؛ فمنذ وصوله إلى الحكم، تصاعدت انتقادات الإدارة الأميركية لكيفية تعاطي نتنياهو والمستوطنين مع الفلسطينيين، إضافة إلى معارضة التعديلات القضائية التي تنسف أي إمكانية لطرح حل الدولتين من دون أن ننسى اختلاف وجهات نظر الطرفين حول كيفية التعاطي مع الجمهورية الإسلامية. 

وإذا كان من الممكن قراءة الموقف الأميركي المفترض من هذه المسائل، فإن ذلك لا يمكن أن يخرج عن الدفع باتجاه سلوك مسار الانكفاء المُعبر عنه ببسط النفوذ والتقليل من الاعتماد على القوة الخشنة والمباشرة، بما يعني استعادة الكابوس الإسرائيلي الذي سببته إستراتيجية باراك أوباما في المرحلة السابقة.

أما بعد طوفان الأقصى الذي أمكن لنتنياهو من خلاله التسويق لخطر وجودي يهدد الكيان، فلم يظهر السلوك الأميركي أي تجاوب مع إمكانية الدفع إلى تدخل أميركي مباشر يمكن أن يساعد في تعديل المسار الذي أعلنه بايدن في إستراتيجيته للأمن القومي. 

وإذا كانت هذه الإستراتيجية قد نصت على ضرورة العمل مع الحلفاء والشركاء لضمان الأمن والاستقرار مع التشديد على المسارات الدبلوماسية لمواجهة الجمهورية الإسلامية، فإن الدعم الأميركي الذي لمسه الكيان الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى، إضافة إلى التدخل المباشر في البحر الأحمر والعراق، لم يكن في المفهوم الأميركي انعكاساً للتغيير الذي يريده نتنياهو. 

وبالتوازي مع العدوان الذي شنته الولايات المتحدة على العراق، أكّد بايدن أن الولايات المتحدة لا تريد التصعيد لكنها سترد على الهجمات التي تطالها، وأضاف بعد ذلك وزير الحرب الأميركي لويد أوستن أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر، وأنه كما الرئيس لن يتسامح مع الهجمات على القوات الأميركية وسيتخذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن الولايات المتحدة وقواتها ومصالحها من دون أن يشيرا إلى أي إمكانية تعديل المسار الإستراتيجي الذي قررته الإستراتيجية آنفة الذكر.

وإذا كانت الواقعية تفترض قراءة الموقف الأميركي في إطار التكافل والتضامن مع الكيان الإسرائيلي بعيداً عن التوجه الإعلامي للإدارة الأميركية، فإن إصرار الولايات المتحدة على التعاون مع دول المنطقة، وخصوصاً قطر ومصر، للوصول إلى تسوية توقف الحرب وتؤدي إلى تبادل الأسرى والمعتقلين، إضافة إلى محاولة الدفع لتطبيع سريع للعلاقات بين الكيان الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية، بالتوازي مع الضغوط الأميركية التي تُمارس على الكيان من أجل الدفع لتغيير جذري في السلوك اليميني المتطرف الذي يرفض أي تنازل في موضوع حل الدولتين، مهما كان شكلياً، لا يمكن أن يُقرأ إلا في إطار البحث عن شكل من التنظيم الجماعي لبعض دول المنطقة، وبما يدفع لتقييد الدور الإسرائيلي، إذ إن ثمن تحقيق الرؤية الأميركية التي ترى في التوازن الإقليمي بين حلفائها ضرورة حيوية سيتجلى من خلال الحد من الدور الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، فالمشروع الأميركي الذي يواجه تحديات كعقدة من القوى الدولية والإقليمية المناهضة له يتطلب إلغاء الكثير من المزايا التي تنعّم بها الكيان الإسرائيلي منذ ستينيات القرن الماضي.

انتهی/

الكلمات الرئيسة
رأیکم