وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
ليلة بعد ليلة طوال الأسابيع الستة الماضية، تتوجه المقاتلات الأمريكية شمالا من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات لقصف العراق وسوريا، كما أفاد بذلك تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" اليوم.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء الوجود الأمريكي في الظفرة، والذي لم يعترف به البنتاغون علنا، هو جزء حيوي من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد مقاتلي الدولة الإسلامية، وقد شنت هذه القاعدة الجوية من الغارات الجوية -بما في ذلك الطائرات الحربية الأكثر تطورا في سلاح الجو: رابتور F-22- أكثر من أي منشأة عسكرية أخرى في المنطقة.
في ليال كثيرة، رافق الطائرات أمريكية سرب من F-16 فالكون المقاتلة التي تديرها القوات الجوية لدولة الإمارات. بعد الجيش الأمريكي، شنت المقاتلات الإماراتية من الغارات ضد مقاتلي الدولة الإسلامية منذ بدء الحرب الجوية أكثر أي عضو آخر في التحالف متعدد الجنسيات، وكثيرا ما ضربت أهدافا صعبة وخطرة كتلك التي هوجمت من قبل الأميركيين، وفقا لما أورده التقرير.
التعاون في الظفرة -وفي سماء سوريا- هو نتيجة لعلاقة صداقة سريعة بين الجيشين الأمريكي والإماراتي. ففي حين نمت العلاقات الأمريكية مع معظم الدول العربية الأخرى على مدى العقد الماضي، بشكل متوتر، تعزز تحالف واشنطن مع دولة الإمارات بطرق رائعة، مدفوعا بمشاركة قوية في الحرب الأفغانية، وكذلك الاهتمام المشترك بشأن البرنامج النووي في إيران وتنامي التطرف الإسلامي.
وإذا كانت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها القدامى، تركيا والمملكة العربية السعودية، قد توترت، ومع مصر والأردن تأثرت بالتحديات الداخلية، فإن الإمارات تحتل الآن مكانة فريدة في المنطقة. وفي هذا، نقل التقرير عن أنتوني زيني، القائد السابق للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، قوله: "إنها أقوى علاقة للولايات المتحدة في العالم العربي اليوم"، ولا يُعرف عن هذا كثيرا.
فرغم أن هناك نحو 3500 جندي أمريكي يتمركزون في الظفرة، وهي القاعدة الجوية الوحيدة خارج أمريكا التي تضم مقاتلات F-22S، فإن خبر المنشأة حُجب عن الجمهور من قبل سلاح الجو الأمريكي، وهذا لأن حكومة الإمارات قلقة من أن الإعلان عن تعاونها مع الولايات المتحدة يمكن أن يستعدي بعض مواطنيها.
لكنَ المسؤولين الإماراتيين خففوا من تلك القواعد خلال الزيارة التي قام بها مراسل صحيفة "واشنطن بوست" بسبب القلق المتزايد في المستويات العليا من الحكومة الإماراتية من أن التزام الصمت أدى إلى سوء تقدير لإسهامات البلاد بما يتجاوز ما هو معروف لدى حفنة في البنتاغون وفي وزارة الخارجية، وخاصة مع سعيها لإقناع إدارة أوباما ببيعها مقاتلات أكثر تقدما وتبني خط أكثر صرامة مع إيران.
ونقلت الصحيفة عن يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، قوله: "نحن نختلف عن جيراننا"، الذي أشار إلى أن بلاده شاركت في كل التحالفات التي قادتها الولايات المتحدة منذ حرب الخليج 1991 والانضمام إلى الأميركيين في الصومال وكوسوفو وليبيا وأفغانستان، بالإضافة إلى الحملة الجوية المتواصلة ضد داعش. وأضاف السفير: "نحن أفضل أصدقائكم في هذا الجزء من العالم".
وكشف التقرير أن هذا التحالف يتجاوز القوة الجوية، حيث يعتبر ميناء جبل علي، القريب من مدينة دبي، الأكثر ازدحاما بالبحرية الأميركية خارج الولايات المتحدة. وقد أبقت الإمارات قواتها البرية النخبة في أفغانستان لمدة 11 عاما، وقامت بتدريب القوات الخاصة الأفغانية بالتعاون مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية.
وقد أزعجت هذه العلاقة الوثيقة البعض في واشنطن والشرق الأوسط، ولكن القلق لا يأتي من الجهات المعتادة. وكانت حكومة إسرائيل وأنصارها في الولايات المتحدة قد أيدوا سرا التعزيزات العسكرية لدولة الإمارات بسبب القلق المشترك بشأن طموحات إيران النووية والنفوذ المتزايد للإسلاميين في العالم العربي.
وإنما أتى النقد من المسؤولين العرب والأمريكيين العرب الذين يفضلون إتباع نهج أكثر تصالحية مع الإسلاميين وإيران. وعن هذا، قال السفير الإماراتي في واشنطن: "إنهم يريدون أن يكونوا أصدقاء لكم"، كما قال مسؤول كبير من دولة عربية مؤثرة في إشارة للإمارات، وأضاف: "لأنهم يريدون أن يجروكم إلى معاركهم".
إنها معركة، كما عبر عنها السفير العتيبة، يجب أن تُخاض، وأضاف: "نحن نرى التطرف باعتباره تهديدا وجوديا".
وما يجعل الإمارات العربية المتحدة فريدة من نوعها، وفقا لمسؤولين أمريكيين عسكريين حاليين وسابقين الولايات المتحدة، هو مزيج من ثروة كبيرة من النفط، والذي سمح للبلاد بشراء أسلحة متطورة وتمويل برامج تدريبية مكثفة مع الاستعداد للتضحية بأفرادها ومعداتها من خلال المشاركة في عمليات التحالف.
من عام 2012 وحتى وقت سابق من هذا العام، أرسلت دولة الإمارات العربية المتحدة ستة من طائراتها المقاتلة من طراز F-16 لدعم بعثة أمنية يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، وتم نشرها في قندهار بعد أن خفضت الدول الأوروبية مستوى قواتها في البلاد.
ولكنه كان أكثر بكثير من مجرد استعراض للقوة، حيث يرى مسؤولو الناتو في الطيارين الإماراتيين مؤهلين وبارعين، بحيث سمح لهمم بالطيران مئات المرات مع بعثات الدعم الجوي لحماية قوات التحالف البرية. وفي مناسبات متعددة، قال مسؤولون أمريكيون وأماراتيون إن القوات الأمريكية اعتمدت أثناء تعرضها لهجوم في جنوب أفغانستان على الطيارين الإماراتيين لقصف مقاتلي طالبان.
ويصف جنرالات أمريكيون الإمارات بـ"سبارتا الصغيرة".
* حليف صغير ولكن بدور ضخم:
باعتبارها بلدا صغيرا في شبه الجزيرة العربية يتكون من سبع إمارات، منقسمة أحيانا، بزعامة أسر مالكة مختلفة، كان بإمكان الإمارات أن تختار المضي في طريق الدول الصغيرة الأخرى في المنطقة من خلال بناء قوة عسكرية متواضعة تركز على الأمن الداخلي والاستناد للقوة المركزية في الخليج -المملكة العربية السعودية- للحماية من إيران والتهديدات الخارجية الأخرى.
ولكن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، الإمارة التي تدير الشؤون الدفاعية والسياسة الخارجية للبلاد، لا يريد أن يكون للسعوديين فضل عليه. وكان ذلك جزءا البراغماتية، فقد أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر ازدهارا ليس من خلال النفط، وفقط، ولكن أيضا كمركز إقليمي للتجارة والتمويل، وسعى محمد بن زايد لبناء جيش مؤثر تمتد قوته إلى ما وراء الحدود.
والنهج الذي اعتمدته، بقيادة محمد بن زايد، مكَنها من شراء أكثر الأسلحة تطورا يمكنها الحصول عليها. وفي العام الماضي، وافقت الولايات المتحدة على بيع الإمارات فئة جديدة من القنابل لتعزيز قوة الضربات الجوية.
وخلافا للدول الثرية الصغيرة، التي انغمست في شراء الأسلحة وتكديسها، اختارت دولة الإمارات استخدام ما حصلت عليه. فقد قامت بتدريب قواتها المسلحة في كثير من الأحيان وبشكل مكثف كما يفعل الجيش الأمريكي، على رمال صحراء موهافي وفي سماء ولاية نيفادا. وقد أنشأت الإمارات مركزا للحرب الجوية في الظفرة تعمل بالشراكة مع سلاح الجو الأمريكي، مما يسمح للطيارين الأمريكيين بتنفيذ المهام التي لا يستطيعون محاكاتها في الولايات المتحدة.
ما هو غير عادي بالنسبة للإمارات، من وجهة نظر قادة عسكريين أمريكيين حاليَين وسابقين، هو استعداد زايد لإرسال قواته إلى الحرب.
فقد أرسل جنودا من القوات الخاصة الإماراتية إلى أفغانستان في عام 2003 –البلد العربي الةحيد الذي قام بذلك- وظلوا هناك حتى هذا العام. "كنا معا تحت النار"، كما صرح ضابط كبير من القوات الخاصة الإماراتية، ونشر هذه القوات، والتي بلغ عددها 1200 من الجنود الإماراتيين، ساعد على إقامة علاقات أوثق مع قادة العمليات الخاصة الأمريكية.
وقد أدى تطوير إيران لبرنامجها النووي إلى تعديل الإماراتيين للقواعد التي تضبط كيفية استخدام الأمريكيين منشأة الظفرة. فعندما تمركزت طائرات الجيش الأمريكي لأول مرة هنا في عام 1990، طلبت الحكومة الإماراتية من وزارة الدفاع الأمريكية عدم إرسال طائرات مقاتلة، إلا ناقلات إعادة التزود بالوقود. وقد حدد اتفاق التعاون الدفاعي السري بينهما مهمة بعثة القوات الأمريكية في الدفاع عن الإمارات ضد أي هجوم.
ولكن هذه القيود قد خُففت على مدى السنوات الست الماضية. جاءت أولا طائرات التجسس U-2 التي تطير فوق المنطقة على 70000 قدم. وفي عام 2012، سمحت الدولة لسلاح الجو الأمريكي بنقل سرب من مقاتلات F-15C من قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان.
في العام الماضي، وصلت نصف دزينة من مقاتلات F-22، مع مجموعة من طائرات بلا طيار بعيدة المدى من طراز غلوبال هوك. كما تضم القاعدة الجوية الآن بعض الأجهزة الهجوم الأكثر تطورا في سلاح الجو الأمريكي.
* يمكن فعل أكثر مما هو مطلوب:
قبل ثلاثة أيام من تخطيط الرئيس أوباما لبدء الضربات الجوية ضد مواقع الدولة الإسلامية، دعا قادة عسكريون أمريكيون القادة العسكريين الإماراتيين إلى قاعدة العيديد الجوية في قطر، حيث يقع مركز العمليات الإقليمي والقيادة المركزية الأميركية. وقدم الضباط الأميركيون لنظرائهم الإماراتيين قائمة بالأهداف المقترحة على طياريهم لقصفها في سوريا.
اعترض الضباط الإماراتيون، وفقا لاثنين من الضباط الحاضرين في الاجتماع، وطالبوا بما هو أكثر من ذلك.
"قالوا: نحن نريد أن نفعل هذا، هذا وهذا"، كما كشف أحد الضباط الحاضرين، وأضاف: "إنهم يريدون ضرب أهداف أكثر عدوانية وتوفير المزيد من الطائرات. لقد عرضوا أكثر مما كنا نطلب".
وافق الأميركيون، وعاد الفريق إلى قاعدة الظفرة الجوية للبدء في التحضير للعملية. ولم يكن مع الطيارين سوى 30 ساعة للتخطيط للمهمة، ولكنهم تمكنوا من الانضمام إلى الموجات الأولية ليلة القصف.
وقال الضابط الإماراتي: "كنا نحلق قريبا من صواريخ أرض-جو التي تحرسها القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد، كما المقاتلات الأمريكية...".
ولتسهيل التعاون، أنشأت القوات الجوية الأمريكية مركز التخطيط المشترك في قاعدة الظفرة لتبادل المعلومات الاستخبارية والتقارير الحساسة.
"لقد كنا جزءا لا يتجزأ من العملية"، كما قال اللواء إبراهيم العلوي، قائد القوات الجوية الإماراتية، وأضاف: "لقد أظهرنا أننا نستطيع القيام بهذه المهمة."
في أواخر شهر أغسطس الماضي، حلقت عدة مقاتلات إماراتية من طراز F-16 باتجاه ليبيا لمساعدة المصريين في قصف ميليشيات مسلحة متحالفة مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي منظمة ترى فيها الحكومة الإماراتية تهديدا للاستقرار الإقليمي، وفقا للتقرير.