طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء -ولادته وجوانب من سيرته (عليه السلام) ولد في المدينة سنة 38 أو 37 ه. قال ابن خلكان: هو أحد الأئمة الاثني عشر ومن سادات التابعين. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. وفضائله ومناقبه أكثر من أن تحصى وتذكر، ولما توفي دفن في البقيع في جنب عمه الحسن (ع) في القبة التي فيها قبر العباس - رضي الله عنه - (وفيات الأعيان 3: 267 - 269.).
ولقد تولى الإمامة بعد استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وللاطلاع على النصوص الواردة في إمامته ينبغي الرجوع إلى كتب الحديث والعقائد المتكفلة بهذا الجانب المهم، وأخص منها بالذكر كتاب " الكافي " للكليني، و " الإرشاد " للشيخ المفيد، و " كفاية الأثر " للخزاز، و " إثبات الهداة " للحر العاملي.
ومن أراد الاطلاع على مناقبه وكراماته وفضائله في مجالات شتى كالعلم، والحلم، والجرأة والإقدام، وثبات الجنان، وشدة الكرم والسخاء، والورع، والزهد، والتقوى، وكثرة التهجد والتنفل، والفصاحة والبلاغة، وشدة هيبته بين الناس ومحبتهم له، وتربيته لجيل عظيم من الصحابة والعلماء وقفوا حياتهم في خدمة الإسلام، وغير ذلك مما لا يسعنا التعرض لها هنا، فعليه يطلب ذلك في الموسوعات المتعددة التي تعرضت لذلك بالشرح والتفصيل. إلا أنا نكتفي هنا بجانب من سيرته (عليه السلام) تتعلق بجملة محددة من الأمور:
1 - هيبته ومنزلته العظيمة: لقد كان (عليه السلام) مهابا جليلا بين الناس بشكل كبير، حتى أن هذه المنزلة العظيمة جعلت الأمراء والحكام يحسدونه عليها، والتاريخ يذكر لنا على ذلك شواهد كثيرة ومتعددة، ومن ذلك: لما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه ذلك، وجاء علي بن الحسين (عليهما السلام) فتوقف له الناس، وتنحوا حتى استلم، فقال جماعة لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه (مع أنه كان يعرفه أنه علي بن الحسين (عليه السلام)) فسمعه الفرزدق، فقال: لكني أعرفه، هذا علي بن الحسين زين العابدين، وأنشد هشاما قصيدته التي منها هذه الأبيات:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم
إلى آخر القصيدة التي حفظتها الأمة وشطرها جماعة من الشعراء.
وقد ثقل ذلك على هشام فأمر بحبسه، فحبسوه بين مكة والمدينة، فقال معترضا على عمل هشام:
أيحبسني بين المدينة والتي إليها قلوب الناس يهوى منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد وعينا له حولاء باد عيوبها
فأخرجه من الحبس فوجه إليه علي بن الحسين (عليهما السلام) عشرة آلاف درهم وقال: "اعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا في هذا الوقت أكثر من هذا لوصلناك به" فردها الفرزدق وقال: ما قلت ما كان إلا لله، فقال له علي (عليه السلام): "قد رأى الله مكانك فشكرك، ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه" وأقسم عليه فقبلها.
2 - زهده وعبادته ومواساته للفقراء: أما زهده وعبادته ومواساته للفقراء، وخوفه من الله فغني عن البيان. فقد روي عنه (عليه السلام) أنه إذا توضأ اصفر لونه، فيقال: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ قال: "أتدرون بين يدي من أريد أن أقف".
من كلماته (عليه السلام): "إن قوما عبدوا الله رياضة، فتلك عبادة العبيد، وأن قوما عبدوه رغبة، فتلك عبادة التجار، وأن قوما عبدوه شكرا، فتلك عبادة الأحرار". وكان إذا أتاه سائل يقول له: "مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة".
كان (عليه السلام) كثير الصدقات حريصا عليها، وكان يوصل صدقاته ليلا دون أن يعلم به أحد، وقد روي أنه (عليه السلام) كان يعول مائة عائلة من أهالي المدينة لا يدرون من يأتيهم بالصدقات، ولما توفي (عليه السلام) أدركوا ذلك.
وفي رواية: أنه (عليه السلام) كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: "صدقة السر تطفئ غضب الرب".
وفي رواية كان أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين (عليه السلام) (تذكرة الخواص: 294).
وقال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت رجلا أورع من فلان - وسمى رجلا - فقال له سعيد: أما رأيت علي بن الحسين؟ فقال: لا، فقال: ما رأيت أورع منه. قال أبو حازم: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين. قال طاووس: رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) ساجدا في الحجر فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيب لأسمعن ما يقول، فأصغيت إليه فسمعته يقول: "عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك" قال طاووس: فوالله ما دعوت بهن في كرب إلا كشف عني.
وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا أصبح سقط مغشيا عليه، وكانت الريح تميله كالسنبلة، وكان يوما خارجا فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم علي (عليه السلام): " مهلا كفوا " ثم أقبل على ذلك الرجل فقال له: " ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ " فاستحيى الرجل فألقى إليه (عليه السلام) خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل (كشف الغمة 2: 292 - 293).
3 - ثروته (عليه السلام) العلمية: أما الثروة العلمية والعرفانية، فهي أدعيته التي رواها المحدثون بأسانيدهم المتضافرة، والتي جمعت بما سمي بالصحيفة السجادية المنتشرة في العالم، فهي زبور آل محمد، ومن الخسارة الفادحة أن إخواننا أهل السنة - إلا النادر القليل منهم - غير واقفين على هذا الأثر القيم الخالد.
نعم، إن فصاحة ألفاظها، وبلاغة معانيها، وعلو مضامينها، وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسل إليه، أقوى شاهد على صحة نسبتها إليه، وإن هذا الدر من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافا إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب، وتعدد أسانيدها المتصلة إلى منشئها، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة المتصلة، إلى زين العابدين (في رحاب أئمة أهل البيت 3: 414).
وقد أرسل أحد الأعلام نسخة من الصحيفة مع رسالة إلى العلامة الشيخ الجوهري الطنطاوي (المتوفى عام 1358 ه) صاحب التفسير المعروف، فكتب في جواب رسالته: " ومن الشقاء أنا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد في مواريث النبوة وأهل البيت، وإني كلما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق " (مقدمة الصحيفة بقلم العلامة المرعشي (قدس سره): 28).
وكان المعروف بين الشيعة هو الصحيفة الأولى التي تتضمن واحدا وستين دعاء في فنون الخير وأنواع السؤال من الله سبحانه، والتي تعلم الإنسان كيف يلجأ إلى ربه في الشدائد والمهمات، وكيف يطلب منه حوائجه، وكيف يتذلل ويتضرع له، وكيف يحمده ويشكره. غير أن لفيفا من العلماء استدركوا عليها فجمعوا من شوارد أدعيته صحائف خمسة كان آخرها ما جمعه العلامة السيد محسن الأمين العاملي (قدس سره).
ولقد قام العلامة الحجة السيد محمد باقر الأبطحي - دام ظله - بجمع جميع أدعية الإمام الموجودة في هذه الصحف في جامع واحد، وقال في مقدمته: وحري بنا القول إن أدعيته (عليه السلام) كانت ذات وجهين: وجها عباديا، وآخر اجتماعيا يتسق مع مسار الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام (عليه السلام) في ذلك الظرف الصعب.
فاستطاع بقدرته الفائقة المسددة أن يمنح أدعيته - إلى جانب روحها التعبدية - محتوى اجتماعيا متعدد الجوانب، بما حملته من مفاهيم خصبة، وأفكار نابضة بالحياة، فهو (عليه السلام) صاحب مدرسة إلهية، تارة يعلم المؤمن كيف يمجد الله ويقدسه، وكيف يلج باب التوبة، وكيف يناجيه وينقطع إليه، وأخرى يسلك به درب التعامل السليم مع المجتمع فيعلمه أسلوب البر بالوالدين، ويشرح حقوق الوالد، والولد، والأهل، والأصدقاء، والجيران، ثم يبين فاضل الأعمال وما يجب أن يلتزم به المسلم في سلوكه الاجتماعي، كل ذلك بأسلوب تعليمي رائع وبليغ.
وصفوة القول: إنها كانت أسلوبا مبتكرا في إيصال الفكر الإسلامي والمفاهيم الإسلامية الأصيلة إلى القلوب الظمأى، والأفئدة التي تهوى إليها لترتزق من ثمراتها، وتنهل من معينها، فكانت بحق عملية تربوية نموذجية من الطراز الأول، أسس بناءها الإمام السجاد (عليه السلام) مستلهما جوانبها من سير الأنبياء وسنن المرسلين ( الصحيفة السجادية الجامعة: 13).
ومن أدعيته (عليه السلام) في هذه الصحيفة دعاؤه في يوم عرفة، ومنه: " اللهم هذا يوم عرفة، يوم شرفته وكرمته وعظمته، نشرت فيه رحمتك، ومننت فيه بعفوك، وأجزلت فيه عطيتك، وتفضلت به على عبادك. اللهم وأنا عبدك الذي أنعمت عليه قبل خلقك له، وبعد خلقك إياه، فجعلته ممن هديته لدينك، ووفقته لحقك، وعصمته بحبلك، وأدخلته في حزبك، وأرشدته لموالاة أوليائك ومعاداة أعدائك ".
رسالة الحقوق: إن للإمام علي بن الحسين رسالة معروفة باسم رسالة الحقوق، أوردها الصدوق في خصاله (1) بسند معتبر، ورواها الحسن بن شعبة في تحف العقول (2) مرسلة، وبين النقلين اختلاف يسير.
وهي من جلائل الرسائل في أنواع الحقوق، يذكر الإمام فيها حقوق الله سبحانه على الإنسان، وحقوق نفسه عليه، وحقوق أعضائه من اللسان والسمع والبصر والرجلين واليدين والبطن والفرج، ثم يذكر حقوق الأفعال، من الصلاة والصوم والحج والصدقة والهدي... التي تبلغ خمسين حقا، آخرها حق الذمة.
كما روى الحفاظ وتلاميذ مدرسته أحاديث وحكما مختلفة جليلة حوتها بطون الكتب المختلفة، جمع الكثير منها العلامة المجلسي في موسوعته الموسومة ببحار الأنوار من مختلف المصادر، فراجع.
شهادته (عليه السلام): توفي بالمدينة عام 95 أو 94 ه، يوم السبت الثاني عشر من محرم. وقيل الخامس والعشرين منه.
المصدر: آية الله الشيخ جعفر السبحاني - أضواء على عقائد الشيعة الإمامية